responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 53
وَغَيْرِهَا، وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْكَافِرِ فَلَا يَبْقَى طَهَارَةً فِي حَقِّهِ، وَلِهَذَا لَمْ تَنْعَقِدْ طَهَارَةٌ مَعَ الْكُفْرِ فَلَا تَبْقَى طَهَارَةٌ مَعَهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ التَّيَمُّمَ وَقَعَ طَهَارَةً صَحِيحَةً فَلَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ فِي إبْطَالِ الْعِبَادَاتِ، وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ عِنْدَنَا لَكِنَّهُ طَهُورٌ، وَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُ صِفَةَ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا لَا تُبْطِلُ صِفَةَ الْوُضُوءِ، وَاحْتِمَالُ الْحَاجَةِ بَاقٍ، لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالثَّابِتُ بِيَقِينٍ يَبْقَى لِوَهْمِ الْفَائِدَةِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ طَهَارَةً مَعَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ طَهَارَةً لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ زَائِلَةٌ لِلْحَالِ بِيَقِينٍ، وَغَيْرُ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ لِوَهْمِ الْفَائِدَةِ مَعَ مَا أَنَّ رَجَاءَ الْإِسْلَامِ مِنْهُ عَلَى مُوجِبِ دِيَانَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ مُنْقَطِعٌ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُنْعَدِمٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ طَاهِرًا فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ النَّجِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَلَا طِيبَ مَعَ النَّجَاسَةِ وَلَوْ تَيَمَّمَ بِأَرْضِ قَدْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ الْكَاسِّ النَّخَعِيّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ اسْتَحَالَتْ أَرْضًا بِذَهَابِ أَثَرِهَا؛ وَلِهَذَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا؛ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا أَيْضًا (وَلَنَا) أَنَّ إحْرَاقَ الشَّمْسِ وَنَسْفَ الْأَرْضِ أَثَرُهَا فِي تَقْلِيلِ النَّجَاسَةِ دُونَ اسْتِئْصَالِهَا.
وَالنَّجَاسَةُ وَإِنْ قَلَّتْ تُنَافِي وَصْفَ الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ إتْيَانًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ، فَأَمَّا النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فَلَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَلِيلُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْإِنَاءِ تَمْنَعُ جَوَازَ الْوُضُوءِ بِهِ، وَلَوْ أَصَابَتْ الثَّوْبَ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ مِنْ مَكَان، ثُمَّ تَيَمَّمَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ الْمُسْتَعْمَلَ مَا الْتَزَقَ بِيَدِ الْمُتَيَمِّمِ الْأَوَّلِ لَا مَا بَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ، فَنُزِّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ مَاءٍ فَضَلَ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ أَوْ اغْتِسَالِهِ بِهِ، وَذَلِكَ طَهُورٌ فِي حَقِّ الثَّانِي كَذَا هَذَا.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الصَّعِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ التُّرَابُ الْمُنْبِتُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ فَسَّرَ الصَّعِيدَ بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ، وَهُوَ مُقَلِّدٌ فِي هَذَا الْبَابِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ، وَالصَّعِيدُ الطَّيِّبُ هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلنَّبَاتِ وَذَلِكَ هُوَ التُّرَابُ دُونَ السَّبِخَةِ وَنَحْوِهَا، (وَلَهُمَا) أَنَّ الصَّعِيدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّعُودِ وَهُوَ الْعُلُوُّ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ الصَّاعِدُ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إنَّهُ اسْمٌ لِمَا تَصَاعَدَ، حَتَّى قِيلَ لِلْقَبْرِ صَعِيدٌ لِعُلُوِّهِ وَارْتِفَاعِهِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِالتُّرَابِ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ، فَكَانَ التَّخْصِيصُ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقِ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّعِيدَ لَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَالَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَاسْمُ الْأَرْضِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ» .
وَرُبَّمَا تُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ فِي الرَّمْلِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِنْبَاتِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّيَمُّمِ بِهِ وَالصَّلَاةِ مَعَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، (وَأَمَّا) قَوْلُهُ سَمَّاهُ طَيِّبًا فَنَعَمْ لَكِنَّ الطَّيِّبَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ وَهُوَ الْأَلْيَقُ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ مُطَهِّرًا، وَالتَّطْهِيرُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالطَّاهِرِ مَعَ أَنَّ مَعْنَى الطَّهَارَةِ صَارَ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ النَّجِسِ فَخَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، الْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ جِنْسِ الْأَرْضِ، فَكُلُّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَا يَنْطَبِعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالزُّجَاجِ، وَعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، الْتَزَقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ أَوْ لَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، فَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَلْتَزِقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ، (وَعِنْدَ) أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ: مَسُّ وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْيَدَيْنِ وَإِمْرَارُهُمَا عَلَى الْعُضْوَيْنِ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْجِصِّ وَالنُّورَةِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست