responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 49
بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِمَا يُذْكَرُ، ثُمَّ قَدْرُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي هَذَا الْبَابِ مُقَدَّرٌ بِتَضْعِيفِ الثَّمَنِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ يُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِدِرْهَمٍ، وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ، وَنِصْفٍ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ يَبِيعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى بَدَلِهِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، كَمَنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِغَبْنٍ يَسِيرٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ اعْتِبَارًا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَيَقَّنٌ بِهَا، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً، وَمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِلَافِهِمْ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ زِيَادَةٌ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ، فَلَمْ تَكُنْ زِيَادَةً مُتَحَقِّقَةً، فَلَا تُعْتَبَرُ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا رَأَى مَعَ رَفِيقِهِ مَاءً كَثِيرًا وَلَا يَدْرِي أَيُعْطِيهِ أَمْ لَا؟ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ قَدْ صَحَّ، فَلَا يَنْقَطِعُ بِالشَّكِّ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَأَلَهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ الْبَذْلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ دَلِيلُ الْبَذْلِ قَبْلَهُ، وَإِنْ أَبَى فَصَلَاتُهُ مَاضِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ تَقَرَّرَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ اسْتَحْكَمَ بِالْإِبَاءِ، وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِبَاءِ ارْتَفَضَ بِالْبَذْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا إنَاءٌ يَغْتَرِفُ بِهِ مِنْ الْبِئْرِ وَوَعَدَ صَاحِبَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِنَاءَ قَالَ: يَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِالْوَعْدِ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ظَاهِرًا، فَيُمْنَعُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَكَذَا إذَا وَعَدَ الْكَاسِي الْعَارِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّوْبَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ مُسَافِرٌ تَيَمَّمَ، وَفِي رَحْلِهِ مَاءٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، حَتَّى صَلَّى، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يُجْزِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا، أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ نَاسِيًا، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً، لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فِي السَّفَرِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْهَلَاكِ فَكَانَ الْقَلْبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَالْتَحَقَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْعَدَمِ، وَالثَّانِي أَنَّ الرَّحْلَ مَوْضِعُ الْمَاءِ عَادَةً غَالِبًا لِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا فَإِذَا تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا فِي الْعُمْرَانِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَدْ تَحَقَّقَ بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ، وَالنِّسْيَانِ، فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ حَصَلَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ الْبُعْدِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ عَدَمِ الدَّلْوِ، وَالرَّشَا وَقَوْلُهُ: " نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً " لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ جِبِلَّةٌ فِي الْبَشَرِ خُصُوصًا إذَا مَرَّ بِهِ أَمْرٌ يَشْغَلُهُ عَمَّا وَرَاءَهُ، وَالسَّفَرُ مَحَلُّ الْمَشَقَّاتِ، وَمَكَانُ الْمَخَاوِفِ، فَنِسْيَانُ الْأَشْيَاءِ فِيهِ غَيْرُ نَادِرٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الرَّحْلُ مَعْدِنُ الْمَاءِ، وَمَكَانُهُ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَاءِ الْمَوْضُوعِ فِي الرَّحْلِ هُوَ النَّفَاذُ لِقِلَّتِهِ، فَلَا يَكُونُ بَقَاؤُهُ غَالِبًا فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ غَالِبًا وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجِسٍ، وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ عَلِمَ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَهُ رَقَبَةٌ قَدْ نَسِيَهَا، وَصَامَ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّةَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ رَقَبَةً كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ، وَيُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، وَبِالنِّسْيَانِ لَا يَنْعَدِمُ الْمِلْكُ، وَهَهُنَا الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَبِالنِّسْيَانِ زَالَتْ الْقُدْرَةُ، أَلَا تَرَى لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ؛ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَلَوْ وَضَعَ غَيْرُهُ فِي رَحْلِهِ مَاءً، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ عَلِمَ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَيَنْسَى، وَالنِّسْيَانُ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْعِلْمِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ جُعِلَ عُذْرًا عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ مَوْضِعٌ لَا عِلْمَ فِيهِ أَصْلًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا عِنْدَ الْكُلِّ.
وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مُسَافِرٌ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ حَالَةَ النِّسْيَانِ، وَغَيْرَهَا.
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَا يُجْزِئُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا، بِخِلَافِ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَضْدَادِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ مَاءٌ، أَوْ كَانَ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يُجْزِئُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست