responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 322
كَانَ ارْتِثَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ خَرَجَ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الِارْتِثَاثَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَمَصَالِحِهَا فَيَنْقُضُ ذَلِكَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِارْتِثَاثَ بِالْإِجْمَاعِ كَوَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ فَنَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى، وَبِهِ رَمَقٌ فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا يُجْزَى نَبِيٌّ عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إنَّ سَعْدًا يَقُولُ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَخْلُصَ إلَى نَبِيِّكُمْ، وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ فَلَمْ يُغَسَّلْ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ» ، وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ إنْ، أَوْصَى بِمِثْلِ وَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَيْسَ بِارْتِثَاثٍ، وَالصَّلَاةُ ارْتِثَاثٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلَوْ جُرَّ بِرِجْلِهِ مِنْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ حَتَّى تَطَؤُهُ الْخُيُولُ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ مُرْتَثًّا؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ رَاحَةِ الدُّنْيَا، بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ فِي خَيْمَتِهِ، أَوْ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَالَ الرَّاحَةَ بِسَبَبِ مَا مَرِضَ فَصَارَ مُرْتَثًّا، ثُمَّ الْمُرْتَثُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَهُوَ شَهِيدٌ فِي حَقِّ الثَّوَابِ حَتَّى إنَّهُ يَنَالُ ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ كَالْغَرِيقِ، وَالْحَرِيقِ، وَالْمَبْطُونِ، وَالْغَرِيبِ إنَّهُمْ شُهَدَاءُ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ شَهَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا.

كَوْنُ الْمَقْتُولِ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا كَالذِّمِّيِّ إذَا خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْقِتَالِ فَقُتِلَ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ عَنْ الْمُسْلِمِ إنَّمَا ثَبَتَ كَرَامَةً لَهُ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّ الْكَرَامَةَ.

وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْتُولِ مُكَلَّفًا، هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَكُونُ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ شَهِيدَيْنِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَلْحَقُهُمَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ مَقْتُولٌ ظُلْمًا وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا هُوَ مَالٌ فَكَانَ شَهِيدًا كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ ظُلْمًا لَمَّا، أَوْجَبَ تَطْهِيرَ مَنْ لَيْسَ بِطَاهِرٍ لِارْتِكَابِهِ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ فَلَأَنْ يُوجِبَ تَطْهِيرَ مَنْ هُوَ طَاهِرٌ، أَوْلَى، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّصَّ، وَرَدَ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِمْ كَرَامَةً لَهُمْ فَلَا يُجْعَلُ، وَارِدًا فِيمَنْ لَا يُسَاوِيهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ.
وَمَا ذَكَرُوا مِنْ مَعْنَى الطَّهَارَةِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - غُسِّلُوا، وَرَسُولُنَا - سَيِّدُ الْبَشَرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ، وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَطْهَرُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا، وَجْهَ لِتَعْلِيقِ ذَلِكَ بِالتَّطْهِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لِلصَّبِيِّ يُطَهِّرُهُ السَّيْفُ فَكَانَ الْقَتْلُ فِي حَقِّهِ، وَالْمَوْتُ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءً، وَمِنْهَا الطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ قُتِلَ جُنُبًا لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى طَرِيقِ الشَّهَادَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْغُسْلِ كَالذَّكَاةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ غَسْلِ الْعُرُوقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا بَالُهُ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَيْعَةَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» أَشَارَ إلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ عِلَّةُ الْغُسْلِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً مِنْ حُلُولِ نَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا رَافِعَةً لِنَجَاسَتِهِ كَانَتْ كَالذَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ حُلُولِ نَجَاسَةِ الْمَوْتِ فِيمَا كَانَ حَلَالًا إمَّا لَا تَرْفَعُ حُرْمَةً كَانَتْ ثَابِتَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَانِعَةً بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا تَكُونُ رَافِعَةً؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَدْوَنُ مِنْ الرَّفْعِ فَأَمَّا الْحَدَثُ فَإِنَّمَا تَرْفَعُهُ ضَرُورَةُ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدَثِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ سَابِقًا عَلَى الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ الْحَدَثُ لَا مَحَالَةَ، وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَوْتِ فَلَوْ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِالشَّهَادَةِ لَاحْتِيجَ إلَى غَسْلِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ مَنْعِ الشَّهَادَةِ حُلُولَ النَّجَاسَةِ فَقُلْنَا: إنَّ الشَّهَادَةَ تَرْفَعُ ذَلِكَ الْحَدَثَ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ لَا مَحَالَةَ لِيَنْعَدِمَ أَثَرُ الشَّهَادَةِ بَلْ تُوجَدُ فِي النُّدْرَةِ فَلَمْ يَرْفَعْ.

وَأَمَّا الْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ إذَا اُسْتُشْهِدَتَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَطَهَارَتِهِمَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، فَالْكَلَامُ فِيهِمَا وَفِي الْجُنُبِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يُغَسَّلَانِ كَالْجُنُبِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست