responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 32
أَنْ يَنْتَبِهَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ.

[الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ]
(وَأَمَّا) الثَّانِي فَهُوَ الْقَهْقَهَةُ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ، وَسُجُودٌ، فَلَا يَكُونُ حَدَثًا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.
وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَكُونَ حَدَثًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِي التَّبَسُّمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الضَّحِكُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ» ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْحَدَثُ حَقِيقَةً، وَلَا مَا هُوَ سَبَبُ وُجُودِهِ، وَالْوُضُوءُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْتَقَضْ بِالْقَهْقَهَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَا يُنْقَضُ بِالتَّبَسُّمِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ فِي الْمَشَاهِيرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فِي عَيْنَيْهِ سَوْءٌ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ عَلَيْهَا خُصْفَةٌ فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفِهِ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ قَالَ مَنْ قَهْقَهَ مِنْكُمْ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ، وَالصَّلَاةَ، وَمِنْ تَبَسَّمَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» طَعَنَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَدِيث مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْرٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ الضَّحِكُ خُصُوصًا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الطَّعْنُ فَاسِدٌ لِأَنَّا مَا رَوَيْنَا الصَّلَاةَ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى أَنَّهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ حَفِيرَةٌ يُجْمَعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، وَمِثْلُهَا يُسَمَّى بِئْرًا.
وَكَذَا مَا رَوَيْنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ، أَوْ الْعَشَرَةَ الْمُبَشِّرِينَ أَوْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، أَوْ فُقَهَاءَ الصَّحَابَةِ، وَكِبَارَ الْأَنْصَارِ هُمْ الَّذِينَ ضَحِكُوا بَلْ كَانَ الضَّاحِكُ بَعْضُ الْأَحْدَاثِ، أَوْ الْأَعْرَابِ، أَوْ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دُونِ الْقَهْقَهَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الضَّحِكَ مَا يُسْمِعُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَلَا يُسْمِعُ جِيرَانَهُ، وَالْقَهْقَهَةُ مَا يُسْمِعُ جِيرَانَهُ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَلَا جِيرَانَهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ الْحَدَثُ، وَلَا سَبَبُ وُجُودِهِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ هَذَا حُكْمُ عُرْفٍ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاةٍ مُسْتَتِمَّةِ الْأَرْكَانِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تَبَسَّمَ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ» .
وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مَنْ صَلَّى عَلَيْك مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» ، وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا فَإِنْ قَهْقَهَ الْأَمَامُ أَوَّلًا انْتَقَضَ وَضْؤُهُ دُونَ الْقَوْمِ، لِأَنَّ قَهْقَهَتَهُمْ لَمْ تُصَادِفْ تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةِ لِفَسَادِ صَلَاتِهِمْ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَجَعَلْت قَهْقَهْتُمْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَهْقَهَ الْقَوْمُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْإِمَامُ انْتَقَضَ طَهَارَةُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَهْقَهَتَهُمْ حَصَلَتْ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا الْقَوْمُ، فَلَا إشْكَالَ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِ الْقَوْمِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَهْقَهُوا مَعًا لِأَنَّ قَهْقَهَةَ الْكُلِّ حَصَلَتْ فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا تَغْمِيضُ الْمَيِّتِ وَغَسْلِهِ وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ وَأَكْلُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَالْكَلَامُ الْفَاحِشِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَدَثًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ ذَلِكَ حَدَثٌ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَمَّضَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِلْمُتَسَابَّيْنِ إنَّ بَعْضَ مَا أَنْتُمَا فِيهِ لَشَرٌّ مِنْ الْحَدَثِ فَجَدِّدَا الْوُضُوءَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ خَاصَّةً.
وَرُوِيَ «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» (وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا عَلَيْنَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ، يَعْنِي: الْخَارِجَ النَّجِسَ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ خُرُوجُ النَّجَسِ حَقِيقَةً، أَوْ مَا هُوَ سَبَبُ الْخُرُوجِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ حَمْلِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يَغْلِبُ وُجُودُهَا فَلَوْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَدَثًا لَوَقَعَ النَّاسِ فِي الْحَرَجِ، وَمَا رَوَوْا أَخْبَارَ آحَادٍ وَرَدَتْ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَغْلِبُ وُجُودُهُ، وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ عَدَمِ الثُّبُوتِ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَاشْتَهَرَ بِخِلَافِ خَبَرِ الْقَهْقَهَةِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ مَعَ أَنَّهُ مَا وَرَدَ فِيمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا رَوَوْا فَالْمُرَادُ مِنْ الْوُضُوءِ بِتَغْمِيضِ الْمَيِّتِ غَسْلُ الْيَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا يَخْلُو عَنْ قَذَارَةٍ عَادَةً، وَكَذَا بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَلِهَذَا خَصَّ لَحْمَ الْإِبِلِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست