responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 319
بِهِ إلَى أَنْ تَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا، وَيُدْخَلُ رَأْسُهُ الْقَبْرَ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُدْخِلَ فِي الْقَبْرِ سَلًّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ نَقَلَتْهُ الْعَامَّةُ عَنْ الْعَامَّةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ أَبَا دُجَانَةَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُدْخِلَ فِي الْقَبْرِ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ فَصَارَ هَذَا مُعَارِضًا لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أُدْخِلَ إلَى الْقَبْرِ سَلًّا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنْ قِبَلِ الْحَائِطِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ فِي دَفْنِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قُبِضُوا فِيهِ فَكَانَ قَبْرُهُ لَزِيقَ الْحَائِطِ، وَاللَّحْدُ تَحْتَ الْحَائِطِ فَتَعَذَّرَ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ فَسُلَّ إلَى قَبْرِهِ سَلًّا لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: يُدْخَلُ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ؛ وَلِأَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ فَكَانَ إدْخَالُهُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: هَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ، قُلْنَا: رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُدْخِلُونَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ أَحْدَثُوا السَّلَّ لِضَعْفِ أَرَاضِيهِمْ بِالْبَقِيعِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَرْضًا سَبْخَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَ قَبْرَهُ أَمْ شَفْعٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ هِيَ الْوِتْرُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دُفِنَ أَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ وَقِيلَ فِي الرَّابِعِ: إنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَقِيلَ: إنَّهُ أَبُو رَافِعٍ فَدَلَّ أَنَّ الشَّفْعَ سُنَّةٌ؛ وَلِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْوِتْرُ وَالشَّفْعُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعَةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ اثْنَانِ وَإِنْ كَانَ شَفْعًا فَكَذَا هَهُنَا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِمْ تَرْكُ السُّنَّةِ، خُصُوصًا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ قَبْرَ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْكَافِرُ تَنْزِلُ فِيهِ السَّخْطَةُ وَاللَّعْنَةُ فَيُنَزَّهُ قَبْرُ الْمُسْلِمِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ قَبْرَهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَضَعُوهُ عَلَى سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُوا عِنْدَ وَضْعِهِ: بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِذَا وُضِعَ فِي اللَّحْدِ قَالَ وَاضِعُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُولُ: " بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَدْخَلَ مَيِّتًا قَبْرَهُ أَوْ وَضَعَهُ فِي اللَّحْدِ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَفَنَ مَيِّتًا أَوْ نَامَ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَ يَقُولُ: النَّوْمُ وَفَاةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: مَعْنَى هَذَا بِاسْمِ اللَّهِ دَفَنَّاهُ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ دَفَنَّاهُ.
وَلَيْسَ هَذَا بِدُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَدَّلَ عَلَيْهِ الْحَالَةُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَدَّلْ إلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَيَشْهَدُونَ بِوَفَاتِهِ عَلَى الْمِلَّةِ وَعَلَى هَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ، وَيُوضَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَازَةَ رَجُلٍ فَقَالَ يَا: عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ اسْتِقْبَالًا وَقُولُوا جَمِيعًا بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ وَلَا تَكُبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ» .

وَتُحَلُّ عُقَدُ أَكْفَانِهِ إذَا وُضِعَ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ أَكْفَانُهُ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى بِالْوَضْعِ.

وَلَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَرَّحُوا اللَّبِنَ أَزَالُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَبْشٍ، وَإِنْ أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ تُرِكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ.

، وَلَا يُدْفَنُ الرَّجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ هَكَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَإِنْ احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ قَدَّمُوا أَفْضَلَهُمَا وَجَعَلُوا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ الصَّعِيدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ وَكَانَ يُدْفَنُ فِي الْقَبْرِ رَجُلَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ.

وَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ وَخُنْثَى وَصَبِيَّةٌ دُفِنَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، ثُمَّ الصَّبِيُّ خَلْفَهُ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْأُنْثَى، ثُمَّ الصَّبِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَصْطَفُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَةَ الْحَيَاةِ، وَهَكَذَا تُوضَعُ جَنَائِزُهُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَكَذَا فِي الْقَبْرِ، وَيُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُجِّيَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 319
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست