responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 296
الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ يُكْرَهُ كُلُّ تَطَوُّعٍ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا مُبْتَدَأً لَا سَبَبَ لَهُ، أَوْ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِمَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ وَقْتَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِمَكَّةَ، احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إلَّا بِمَكَّةَ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا تَضَيَّقَتْ لِلْمَغِيبِ، وَعِنْدَ الزَّوَالِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، وَقَالَ: لِأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» وَرَوَى الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَالَ: إنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ يُزَيِّنُهَا فِي عَيْنِ مَنْ يَعْبُدُهَا حَتَّى يَسْجُدَ لَهَا فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ قَائِمِ الظَّهِيرَةِ قَارَنَهَا، فَإِذَا مَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا فَلَا تُصَلُّوا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ» فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ، وَنَبَّهَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، وَهُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَذَلك؛ لِأَنَّ عَبَدَةَ الشَّمْسِ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ، وَيَسْجُدُونَ لَهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ تَحِيَّةً لَهَا، وَعِنْدَ الزَّوَالِ لِاسْتِتْمَامِ عُلُوِّهَا، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَدَاعًا لَهَا فَيَجِيءُ الشَّيْطَانُ فَيَجْعَلُ الشَّمْسَ بَيْنَ قَرْنَيْهِ لِيَقَعَ سُجُودُهُمْ نَحْوَ الشَّمْسِ لَهُ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِئَلَّا يَقَعَ التَّشْبِيهُ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَعُمُّ الْمُصَلِّينَ أَجْمَعَ فَقَدْ عَمَّ النَّهْيُ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ إلَّا بِمَكَّةَ شَاذٌّ لَا يُقْبَلُ فِي مُعَارَضَةِ الْمَشْهُورِ، وَكَذَا رِوَايَةُ اسْتِثْنَاءِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَرِيبَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْمَشْهُورِ بِهَا.

وَأَمَّا الْأَوْقَاتُ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا التَّطَوُّعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ فَمِنْهَا: مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَضَاءَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَدَاءَ التَّطَوُّعِ الْمُبْتَدَإِ مَكْرُوهٌ فِيهَا.
وَأَمَّا التَّطَوُّعُ الَّذِي لَهُ سَبَبٌ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَرَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُحَيِّهِ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فَسَمِعَ صَوْتَ حَدَثٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ فَقَالَ: عَزَمْت عَلَى مَنْ أَحْدَثَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُعِيدَ صَلَاتَهُ فَلَمْ يَقُمْ فَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت لَوْ تَوَضَّأْنَا جَمِيعًا وَأَعَدْنَا الصَّلَاةَ فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَهُ: كُنْت سَيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقِيهًا فِي الْإِسْلَامِ فَقَامُوا وَأَعَادُوا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِمَّنْ لَمْ يُحْدِثْ كَانَتْ نَافِلَةً وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْفَرَائِضُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَذَا النَّوَافِلُ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ إلَى ذِي طِوًى وَصَلَّى ثَمَّةَ بَعْدَ مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَقَالَ رَكْعَتَانِ مَكَانَ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ أَدَاءُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَائِزًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَمَا أَخَّرَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ خُصُوصًا رَكْعَتَا الطَّوَافِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِذَلِكَ دَلَّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ عَائِشَةَ تَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: إنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ وَنَ حْنُ نَفْعَلُ مَا أُمِرْنَا أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ وَلَا شِرْكَةَ فِي مَوْضِعِ الْخُصُوصِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: شَغَلَنِي وَفْدٌ عَنْ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ فَقَضَيْتُهُمَا فَقَالَتْ وَنَحْنُ نَفْعَلُ كَذَلِكَ فَقَالَ لَا» أَشَارَ إلَى الْخُصُوصِيَّةِ، لِأَنَّهُ كُتِبَتْ عَلَيْهِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 296
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست