responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 28
صَلَاةٍ إلَّا، وَيُوجَدُ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ الْحَدَثِ فِيهِ فَخُرُوجُ النَّجَسِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ حَدَثًا فِي الْحَالِ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَائِمًا، حَتَّى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَوْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ، وَإِنْ دَامَ السَّيَلَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الْعُذْرُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ كَالِاسْتِحَاضَةِ، وَسَلَسِ الْبَوْلِ، وَخُرُوجِ الرِّيحِ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَيُصَلِّي مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» فَمَالِكٌ عَمِلَ بِمُطْلَقِ اسْمِ الصَّلَاةِ، وَالشَّافِعِيُّ قَيَّدَهُ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةَ، وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَارَنَهَا مَا يُنَافِيهَا، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا، وَالشَّيْءُ لَا يُوجَدُ، وَلَا يَبْقَى مَعَ الْمُنَافِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الْمُنَافِي لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ، وَالضَّرُورَةِ إلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْوَقْتِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَدَاءِ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ فَظَهَرَ حُكْمُ الْمُنَافِي، وَالنَّوَافِلُ اتِّبَاعُ الْفَرَائِضِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهَا فَكَانَتْ مُلْحَقَةٌ بِأَجْزَائِهَا، وَالطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ لِصَلَاةٍ، وَاقِعَةٌ لَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ فَرْضٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ.
(وَلَنَا) مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَلِأَنَّ الْعَزِيمَةَ شَغْلُ جَمِيعِ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِحْرَازًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْكَمَالِ إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ تَرْكَ شَغْلِ بَعْضِ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ رُخْصَةً، وَتَيْسِيرًا فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةً تَمْكِينًا مِنْ اسْتِدْرَاكِ الْفَائِتِ بِالْقَضَاءِ، وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْقِوَامِ، وَجُعِلَ ذَلِكَ شَغْلًا لِجَمِيعِ الْوَقْتِ حُكْمًا فَصَارَ وَقْتُ الْأَدَاءِ شَرْعًا بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ الْأَدَاءِ فِعْلًا ثُمَّ قِيَامُ الْأَدَاءِ مُبْقٍ لِلطَّهَارَةِ فَكَذَلِكَ الْوَقْتُ الْقَائِمُ مَقَامَهُ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ الْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ»
وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْ لِكُلِّ فَرْضٍ تَقْضِي لَزَادَ عَلَى الْخَمْسِ بِكَثِيرٍ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تُذْكَرُ عَلَى إرَادَةِ وَقْتِهَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ التَّيَمُّمِ «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمَتْ، وَصَلَّيْت» .
وَالْمُدْرَكُ هُوَ الْوَقْتُ دُونَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فِعْلُهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، أَيْ: لِوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، أَيْ لِوَقْتِهَا فَجَازَ أَنْ تُذْكَرَ الصَّلَاةُ، وَيُرَادُ بِهَا وَقْتُهَا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الْوَقْتُ، وَيُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ التَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا تَبْقَى طَهَارَةُ صَاحِبِ الْعُذْرِ فِي الْوَقْتِ إذَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ أَمَّا إذَا أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ، فَلَا تَبْقَى، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الدَّمِ السَّائِلِ لَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَ هُوَ فِي غَيْرِهِ كَالصَّحِيحِ قَبْلَ الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَوَضَّأَ لِلْحَدَثِ أَوْ لَا، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوُضُوءَ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ الْعُذْرِ فَكَانَ عَدَمًا فِي حَقِّهِ.
وَكَذَا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَحَدِ مَنْخَرَيْهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَالَ مِنْ الْمَنْخَرِ الْآخَرَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَقَعُ الطَّهَارَةُ لَهُ فَكَانَ هُوَ، وَالْبَوْلُ، وَالْغَائِطُ سَوَاءً فَأَمَّا إذَا سَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ انْقَطَعَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ حَصَلَتْ لَهُمَا جَمِيعًا.
وَالطَّهَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ لِعُذْرٍ لَا يَضُرُّهَا السَّيَلَانُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ فَبَقِيَ هُوَ صَاحِبَ عُذْرٍ بِالْمَنْخَرِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ صَاحِبُ الْقُرُوحِ إذَا كَانَ الْبَعْضُ سَائِلًا ثُمَّ سَالَ الْآخَرُ، أَوْ كَانَ الْكُلُّ سَائِلًا فَانْقَطَعَ السَّيَلَانُ عَنْ الْبَعْضِ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمْ عِنْدَ دُخُولِهِ أَمْ أَيَّهُمَا كَانَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ وَقَالَ زُفَرُ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ أَيِّهِمَا كَانَ، وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُوجَدَ الْخُرُوجُ بِلَا دُخُولٍ كَمَا إذَا تَوَضَّأَتْ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّ طَهَارَتَهَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُنْتَقَضُ لِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالثَّانِي أَنْ يُوجَدَ الدُّخُولُ بِلَا خُرُوجٍ كَمَا إذَا تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ، ثُمَّ زَالَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست