responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 24
وَلَكِنْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ، وَالْأَدَبِ أَنَّ السُّنَّةَ مَا، وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي،، وَالْأَدَبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَاَلَّذِي يَنْقُضُهُ الْحَدَثُ.
وَالْكَلَامُ فِي الْحَدَثِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِه، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ حُكْمِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْحَدَثُ هُوَ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ، وَحُكْمِيٌّ أَمَّا الْحَقِيقِيُّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: هُوَ خُرُوجُ النَّجَسِ مِنْ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ الْجُرْحِ، وَالْقُرْحِ، وَالْأَنْفِ مِنْ الدَّمِ، وَالْقَيْحِ، وَالرُّعَافِ، وَالْقَيْءِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْمَذْيِ، وَالْوَدْيِ، وَدَمِ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ،.
وَقَالَ زُفَرُ: ظُهُورُ النَّجَسِ مِنْ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلٍ: هُوَ خُرُوجُ النَّجَسِ الْمُعْتَادِ مِنْ السَّبِيلِ الْمُعْتَادِ، فَلَمْ يَجْعَلْ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَلَيْسَ بِحَدَثٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَقَوْلُهُ «لِلْمُسْتَحَاضَةِ تَوَضَّئِي، وَصَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا» وَقَوْلُهُ تَوَضَّئِي فَإِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي كَوْنَ الْخُرُوجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ حَدَثًا لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُعْتَادِ، وَغَيْرِ الْمُعْتَادِ لِمَا يُذْكَرُ، فَالْفَصْلُ يَكُونُ تَحَكُّمًا عَلَى الدَّلِيلِ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَاءَ فَغَسَلَ فَمَهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ» .
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ طُعِنَ كَانَ يُصَلِّي، وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ الْبَدَنِ زَوَالُ النَّجَسِ عَنْ الْبَدَنِ، وَزَوَالُ النَّجَسِ عَنْ الْبَدَنِ كَيْفَ يُوجِبُ تَنْجِيسَ الْبَدَنِ مَعَ أَنَّهُ لَا نَجَسَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَقِيقَةً، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي السَّبِيلَيْنِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ عُرِفَ بِالنَّصِّ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَرَفْتُ لَهُ غَرْفَةً، فَأَكَلَهَا، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَقُلْتُ: الْوُضُوءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا عَلَيْنَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ أَوْ بِمُطْلَقِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَخْرَجِ، إلَّا أَنَّ خُرُوجَ الطَّاهِرِ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَبَقِيَ خُرُوجُ النَّجَسِ مُرَادًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي فَصْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَفِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ «تَوَضَّئِي فَإِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ، وَعَلَّلَ بِانْفِجَارِ دَمِ الْعِرْقِ، لَا بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ، وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَدَتْ مَوْرِدَ الِاسْتِفَاضَةِ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَهُمْ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَثَوْبَانُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَقِيلَ فِي التَّاسِعِ، وَالْعَاشِرِ: إنَّهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الصَّحَابَةِ مُتَّبِعٌ لَهُمْ فِي فَتْوَاهُمْ، فَيَجِبُ تَقْلِيدُهُمْ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ إنَّمَا كَانَ حَدَثًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَنْجِيسَ ظَاهِرِ الْبَدَنِ لِضَرُورَةِ تَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ، فَتَزُولُ الطَّهَارَةُ ضَرُورَةً، إذْ النَّجَاسَةُ، وَالطَّهَارَةُ ضِدَّانِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَمَتَى زَالَتْ الطَّهَارَةُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مُنَاجَاةٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ لِيَصِيرَ أَهْلًا لَهَا، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ.
وَكَذَا اسْمُ الْوُضُوءِ يَحْتَمِلُ غَسْلَ الْفَمِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ، أَوْ مَحْمَلُهُ عَلَى مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الطَّعْنِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ الطَّعْنِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ، وَصَلَّى.
وَبِهِ نَقُولُ، كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَوْلُهُ: " إنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ عَنْ الْبَدَنِ زَوَالُ النَّجَسِ عَنْ الْبَدَنِ " فَكَيْفَ يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ؟ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ نَجَاسَةِ الْبَاطِنِ، لَكِنْ يَتَنَجَّسُ بِهِ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي زَالَ إلَيْهِ أَوْجَبَ زَوَالَ الطَّهَارَةِ عَنْهُ، وَالْبَدَنُ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَاسَةِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَالْعَزِيمَةُ هِيَ غَسْلُ كُلِّ الْبَدَنِ، إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَقَامَ غَسْلِ كُلِّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست