responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 234
إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» ، وَمَا لَا يَصْلُحُ فِي الصَّلَاةِ فَمُبَاشَرَتُهُ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ كَثُرَ كَانَ مُفْسِدًا وَلَوْ كَانَ النِّسْيَانُ فِيهَا عُذْرًا لَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ فِي بَابِ الصَّوْمِ، وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ يُبَاحُ فِيهَا التَّكَلُّمُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ ابْتِدَاءُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ عَامِدِينَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالِاسْتِقْبَالِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ الْعَمْدَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالرَّفْعُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِسَلَامِ النَّاسِي غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْقَى مَعَ سَلَامِ الْعَمْدِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالنِّسْيَانُ دُونَ الْعَمْدِ فَجَازَ أَنْ تَبْقَى مَعَ النِّسْيَانِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَفِقْهُهُ أَنَّ السَّلَامَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاءِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قُصِدَ بِهِ الْخُرُوجُ فِي أَوَانِ الْخُرُوجِ جُعِلَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ شَرْعًا، فَإِذَا كَانَ نَاسِيًا وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ السَّلَامُ مَوْجُودًا فِي أَوَانِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مُضَادٌّ لِلصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ فِي أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَوْ حَكَمْنَا بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ نَاسِيًا فَلَوْ جَعَلْنَاهُ قَاطِعًا لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالنَّفْخُ الْمَسْمُوعُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ النَّفْخَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَسْمُوعٍ وَغَيْرِ مَسْمُوعٍ، وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَعْهُودٍ وَهُوَ الصَّوْتُ الْمَنْظُومُ الْمَسْمُوعُ وَلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا مَرَّ أَنْ إدْخَالَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، فَأَمَّا الْمَسْمُوعُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: إنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ بِأَنْ قَالَ: أُفٍّ أَوْ تُفٍّ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ، وَتَبْعِيدُهُ يُفْسِدُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْفِيفَ لَا يُفْسِدُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يُفْسِدُ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الضَّمِيرِ فَيُفْسِدُ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْفِيفَ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الضَّمِيرِ فَلَا يُفْسِدُ كَالتَّنَحْنُحِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فِي الْوَضْعِ فَلَا يَصِيرُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلِأَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ هَهُنَا مِنْ الزَّوَائِدِ الَّتِي يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ وَالْحَرْفُ الزَّائِدِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ بَقِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ أَصْلِيَّةٍ أَوْ زَائِدَةٍ أَوْ كَانَا حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْحُرُوفِ الْمَنْظُومَةِ الْمَسْمُوعَةِ وَأَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ انْتِظَامُ الْحُرُوفِ حَرْفَانِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي التَّأْفِيفِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْحُرُوفِ الْمَنْظُومَةِ كَلَامًا فِي الْعُرْفِ أَنْ تَكُونَ مَفْهُومَةَ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْكَلَامَ الْعَرَبِيَّ نَوْعَانِ، مُهْمَلٌ وَمُسْتَعْمَلٌ وَلِهَذَا لَوْ تَكَلَّمَ بِالْمُهْمَلَاتِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مَعَ مَا أَنَّ التَّأْفِيفَ مَفْهُومُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي اللُّغَةِ لِلتَّبْعِيدِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ حَتَّى حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ احْتِرَامًا لَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَهَذَا النَّصُّ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ لَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّأْفِيفَ قَوْلًا فَدَلَّ أَنَّهُ كَلَامٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ كَلَامٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لِغُلَامٍ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ حِينَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَنْفُخُ التُّرَابَ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ: لَا تَنْفُخْ فَإِنَّ النَّفْخَ كَلَامٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ؟ وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.
وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ عَنْ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسِدُ لِوُجُودِ الْحَرْفَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الْهَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَنَحْنَحَ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ لَا يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعْيٌ فِي أَدَاءِ الرُّكْنِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ عَلَى وَصْفِ الْكَمَالِ، وَرَوَى إمَامُ الْهُدَى الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْجُوزَجَانِيِّ صَاحِبِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ أَخَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ هِجَاءً وَيُسْمَعُ فَهُوَ كَالنَّفْخِ الْمَسْمُوعِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْمَعْنَى غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ قَوْلًا، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُرُوفَ الْمَنْظُومَةَ الْمَسْمُوعَةَ كَافِيَةٌ لِلْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى مَفْهُومًا كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِمُهْمَلٍ كَثُرَتْ حُرُوفُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ مِنْ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ فَنَعَمْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ لَكِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَيْسَ هُوَ بِزَائِدٍ وَإِلْحَاقُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ مِنْ كَلِمَةٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا زَائِدًا بِالزَّوَائِدِ مُحَالٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ بِامْتِنَاعِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 234
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست