responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 210
الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ أَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؟ قَالَ: يَقُولُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَمَا أَرَادَ بِهِ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ عِنْدَهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُنْفَرِدَ.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْمِيعَ تَرْغِيبٌ فِي التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ يُرَغِّبُهُ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُرَغِّبُ نَفْسَهُ فَكَانَتْ حَاجَتُهُ إلَى التَّحْمِيدِ لَا غَيْرَ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْمُعَلَّى أَنَّ التَّحْمِيدَ يَقَعُ فِي حَالَةِ الْقَوْمَةِ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ وَسُنَّةُ الذِّكْرِ تَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالتَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَا مَحْمَلَ لَهُ سِوَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ لِمَا مَرَّ وَلِهَذَا كَانَ عَمَلُ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضَلَالَةٍ، وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَالْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ.

وَإِذَا اطْمَأَنَّ قَائِمًا يَنْحَطُّ لِلسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ وَأَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ فَيَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى رُكْنٍ آخَرَ وَهُوَ السُّجُودُ إذْ الِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الرُّكْنِ لِمَا مَرَّ، وَمِنْ سُنَنِ الِانْتِقَالِ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ الِانْحِطَاطِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَدَيْهِ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بُرُوكِ الْجَمَلِ فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، وَلَنَا عَيْنُ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِنَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ حَافِيًا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَا خُفٍّ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ أَنْفَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ.
وَالْكَلَامُ فِي فَرْضِيَّةِ أَصْلِ السُّجُودِ وَالْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْهُ وَمَحَلِّ إقَامَةِ الْفَرْضِ قَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ.

وَهَهُنَا نَذْكُرُ سُنَنَ السُّجُودِ، مِنْهَا أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةَ لِمَا رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا أَنْ يَجْمَعَ فِي السُّجُودِ بَيْنَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ فَيَضَعُهُمَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَمَسَّ أَنْفُهُ الْأَرْضَ كَمَا يَمَسُّ جَبْهَتُهُ» ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَنَفْيِ الْكَمَالِ لِمَا مَرَّ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ.
وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ وَوَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ جَازَ عِنْدَنَا كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَهِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ وَوَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ وَلَوْ سَجَدَ بِهِ عَلَى حَشِيشٍ أَوْ قُطْنٍ إنْ تَسَفَّلَ جَبِينُهُ فِيهِ حَتَّى وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إذَا صَلَّى عَلَى طُنْفُسَةٍ مَحْشُوَّةٍ جَازَ إذَا كَانَ مُتَلَبِّدًا، وَكَذَا إذَا صَلَّى عَلَى الثَّلْجِ إذَا كَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ مُتَلَبِّدًا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ عُمَرَ اُسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيكَ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ لَكَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ شَرِيكِهِ فِي الصَّلَاةِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ لِلضَّرُورَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فَلِيُوَجِّهَ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ» ، وَمِنْهَا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى رَاحَتَيْهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إذَا سَجَدْتَ فَاعْتَمِدْ عَلَى رَاحَتَيْكَ» ، وَمِنْهَا أَنْ يُبْدِيَ ضَبْعَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ «وَأَبْدِ ضَبْعَيْكَ» أَيْ أَظْهِرْ الضَّبُعَ وَهُوَ وَسَطُ الْعَضُدِ بِلَحْمِهِ، وَرَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ» ، وَمِنْهَا أَنْ يَعْتَدِلَ فِي سُجُودِهِ وَلَا يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ» ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَفْتَرِشُ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهَا وَتَنْخَفِضُ وَلَا تَنْتَصِبَ كَانْتِصَابِ الرَّجُلِ وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَاعِدًا وَالرَّفْعُ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فَرْضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلِاعْتِدَالِ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي قَوْلِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 210
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست