responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 189
أَجْزَأَهُ؛ لِحُصُولِ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ السَّجْدَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى هَيْئَةِ السَّجْدَةِ وَلَكِنَّهُ رَكَعَ بِهَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ قَالَ: وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَإِنَّمَا أَخَذَ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ مَا بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَانِي فَهُوَ قِيَاسٌ وَمَا خَفِيَ مِنْهَا فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَلَا يُرَجَّحُ الْخَفِيُّ لِخَفَائِهِ وَلَا الظَّاهِرُ لِظُهُورِهِ فَيُرْجَعُ فِي طَلَبِ الرُّجْحَانِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِمَا مِنْ الْمَعَانِي، فَمَتَى قَوِيَ الْخَفِيُّ أَخَذُوا بِهِ وَمَتَى قَوِيَ الظَّاهِرُ أَخَذُوا بِهِ، وَهَهُنَا قَوِيَ دَلِيلُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فَأَخَذُوا بِهِ ثُمَّ إنَّ مَشَايِخَنَا اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَمَحِلُّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ هَذَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَقُومَ الرُّكُوعُ مَقَامَهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَقُومُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحَلُّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَرَكَعَ فِي الْقِيَاسِ يُجْزِئُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُجْزِئُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْعَلْ قُرْبَةً فَلَا يَنُوبُ مَنَابَ الْقُرْبَةِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْمُعِينِ وَقَالَ: رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى أَهْلِ بَلْخٍ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الرُّكُوعِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ تَقُومَ الصُّلْبِيَّةُ مَقَامَ التِّلَاوَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَقُومُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ التَّحْقِيقَ لِكَوْنِ الْجَوَازِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَنْ يُتَصَوَّرَ إلَّا عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ السَّجْدَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَسُقُوطُ مَا وَجَبَ مِنْ السَّجْدَةِ بِالسَّجْدَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَكَانَ قِيَاسًا.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ نَفْسِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهَا كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ دَلِيلَ الْقِيَاسِ أَظْهَرُ وَدَلِيلَ الِاسْتِحْسَانِ أَأَخْفَى؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَمْرٌ خَفِيٌّ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ وَالتَّفْرِقَةَ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي، وَالْعِلْمُ بِذَاتِ مَا يُعَايَنُ أَظْهَرُ مِنْ الْعِلْمِ بِوَصْفِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ بِالْحِسِّ وَبِالْمَعْنَى بِالْعَقْلِ عَقِيبَ التَّأَمُّلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لِكَوْنِ الْجَوَازِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ بِالِاسْتِحْسَانِ مُمْكِنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْكَلَامُ فِي قِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السُّجُودِ فَالْقِيَاسُ يَأْبَى الْجَوَازَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَعَ السُّجُودِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا فَلَوْ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا مُسَاوَاةٌ لَثَبَتَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ مِنْ تَوَابِعِ الذَّاتِ وَالْعِلْمُ بِهِ ظَاهِرٌ، وَجَوَازُ الْقِيَامِ مِنْ تَوَابِعِ الْمَعْنَى وَالْعِلْمُ بِهِ خَفِيٌّ فَإِذَا كَانَتْ قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَجُوزَ وَجَوَابُ الْكِتَابِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ هَذَا فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرْنَا.
وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ: لَا بَلْ الرُّكُوعُ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ بِالسَّجْدَةِ بِعَيْنِهَا هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَالرَّكْعَةُ فِي ذَلِكَ وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَلَاةٌ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] وَتَفْسِيرُهَا خَرَّ سَاجِدًا، فَالرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَهَذَا كُلُّهُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ فَثَبَتَ أَنَّ مَحَلَّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَإِذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ لَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ لَهَا يَعْنِي إنْ شَاءَ أَقَامَ رُكُوعَ الصَّلَاةِ مَقَامَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ لَهَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْسِيرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ فَكَانَا فِي حَقِّ حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا اقْتِدَاءً بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْجَوَازُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّعْظِيمُ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ السُّجُودُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَعْ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ نَوَى بِالرُّكُوعِ أَنْ يَقَعَ عَنْ السَّجْدَةِ لَا يَجُوزُ.
وَكَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَاجِبِ كَذَا هَهُنَا ثُمَّ أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ؛ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست