responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 157
فَضِيلَتِهِ عَنْ فَضِيلَةِ الْأَحْرَارِ يُوجِبَانِ الْكَرَاهَةَ.
وَكَذَا الْغَالِبُ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ الْجَهْلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] ، وَالْأَعْرَابِيُّ هُوَ الْبَدَوِيُّ، وَإِنَّهُ اسْمُ ذَمٍّ، وَالْعَرَبِيُّ اسْمُ مَدْحٍ.
وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ الْجَهْلُ لِفَقْدِهِ مَنْ يُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ مَعَالِمَ الشَّرِيعَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَا يَتَحَمَّلهَا الْفَاسِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَالْأَعْمَى يُوَجِّهُهُ غَيْرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَيَصِيرَ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا يَمِيلُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِبْلَةِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ الْإِمَامَةِ بَعْد مَا كُفَّ بَصَرُهُ وَيَقُولُ: كَيْفَ أَؤُمُّكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْدِلُونَنِي؟ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنهُ التَّوَقِّي عَنْ النَّجَاسَاتِ فَكَانَ الْبَصِيرُ أَوْلَى، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْفَضْلِ لَا يُوَازِيهِ فِي مَسْجِدِهِ غَيْرُهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَوْلَى، وَلِهَذَا اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِمَامَةُ صَاحِبِ الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ مَكْرُوهَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ صَاحِبَ هَوًى وَبِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَرْغَبُونَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ؟
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ لَا تَجُوزُ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَوًى يُكَفِّرُهُ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُكَفِّرُهُ تَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ تَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لَوْ أَمَّتْ النِّسَاءَ جَازَ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَقُومَ وَسَطَهُنَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَأَمَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ نِسَاءً وَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا، إلَّا أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُسْتَحَبَّةٌ كَجَمَاعَةِ الرِّجَالِ، وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ لَكِنَّ تِلْكَ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَا يُبَاحُ لِلشَّوَابِّ مِنْهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَمَاعَاتِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَهَى الشَّوَابَّ عَنْ الْخُرُوجِ؛ وَلِأَنَّ خُرُوجَهُنَّ إلَى الْجَمَاعَةِ سَبَبُ الْفِتْنَةِ، وَالْفِتْنَةُ حَرَامٌ، وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ.
وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَمَاعَاتِ فَنَذْكُرُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ يَصْلُحُ إمَامًا فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَؤُمَّ الصِّبْيَانَ فِي التَّرَاوِيحِ، وَفِي إمَامَتِهِ الْبَالِغِينَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا مَرَّ فَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَكُلُّ مَنْ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ فِي صَلَاةٍ يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ فِيهَا، وَمَنْ لَا فَلَا، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ شَرَائِط صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَأَوْلَى بِهَا]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَأَوْلَى بِهَا فَالْحُرُّ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْعَبْدِ، وَالتَّقِيُّ أَوْلَى مِنْ الْفَاسِقِ، وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى، وَوَلَدُ الرِّشْدَةِ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الزِّنَا، وَغَيْرُ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْلَى مِنْ الْأَعْرَابِيِّ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَأَفْضَلُهُمْ وَرَعًا وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي إنْسَانٍ كَانَ هُوَ أَوْلَى، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِنَاءَ أَمْرِ الْإِمَامَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ، وَالْمُسْتَجْمَعُ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ، أَمَّا الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا كِبَرُ السِّنِّ فَلِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً وَمُدَاوَمَةً عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَتْ فِي أَشْخَاصٍ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى إذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمَ الْأَقْرَأَ فَقَالَ: وَيَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَأَفْضَلُهُمْ وَرَعًا وَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لِيَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا» ، ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجْرَى الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدَّمَ الْأَقْرَأَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَهُوَ أَوْلَى، كَذَا ذُكِرَ فِي آثَارِ أَبِي حَنِيفَةَ لِافْتِقَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْقِرَاءَة إلَى الْعِلْمِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَدَارُكِ مَا عَسَى أَنْ يَعْرِضَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَافْتِقَارِ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا إلَى الْعِلْمِ بِالْخَطَأِ الْمُفْسِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَعْلَمُ أَفْضَلَ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْأَعْلَمَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْفَوَاحِشَ الظَّاهِرَةَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست