responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 15
وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ لَابِسُ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ.

(وَمِنْهَا) : أَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ لَا عَنْ بُرْءٍ لَا يُنْتَقَضُ الْمَسْحُ، وَسُقُوطُ الْخُفَّيْنِ أَوْ سُقُوطُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْمَسْحِ لِمَا بَيَّنَّا

[فَصْلٌ شَرَائِطُ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ (فَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّوَضُّؤُ بِمَا سِوَى الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْخَلِّ، وَالْعَصِيرِ، وَاللَّبَنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] نَقَلَ الْحُكْمَ إلَى التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ هُوَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، وَكَذَا الْغَسْلُ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْغَسْلِ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْمَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي تَتَسَارَعُ أَفْهَامُ النَّاسِ إلَيْهِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ، كَمَاءِ الْأَنْهَارِ، وَالْعُيُونِ، وَالْآبَارِ، وَمَاءِ السَّمَاءِ، وَمَاءِ الْغُدْرَانِ، وَالْحِيَاضِ، وَالْبِحَارِ، فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، أَوْ فِي الْأَوَانِي؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لَا يَسْلُبُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَذْبًا أَوْ مِلْحًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ يُسَمَّى مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» ، وَالطَّهُورُ هُوَ الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] .
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْمِيَاهِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ، وَمَا يَنُوبُهَا مِنْ الدَّوَابِّ، وَالسِّبَاعِ فَقَالَ: لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا، وَمَا أَبْقَتْ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ، وَطَهُورٌ» «، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ مِنْ آبَارِ الْمَدِينَةِ» .

مَطْلَبُ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ (وَأَمَّا) الْمُقَيَّدُ فَهُوَ مَا لَا تَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَشْيَاءِ بِالْعِلَاجِ كَمَاءِ الْأَشْجَارِ، وَالثِّمَارِ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،، وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ إذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ كَاللَّبَنِ، وَالْخَلِّ، وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ بِأَنْ صَارَ مَغْلُوبًا بِهِ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الَّذِي خَالَطَهُ مِمَّا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ، وَمَاءِ الْعُصْفُرِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي اللَّوْنِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَالِفُ الْمَاءَ فِي اللَّوْنِ، وَيُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ الْأَبْيَضِ، وَخَلِّهِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي الطَّعْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهِمَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي الْأَجْزَاءِ.
فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَجْزَاءِ؟ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَالُوا: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمَغْلُوبِ احْتِيَاطًا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي خَالَطَهُ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ زِيَادَةُ نَظَافَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيُطْبَخُ بِهِ أَوْ يُخَالِطُ بِهِ كَمَاءِ الصَّابُونِ، وَالْأُشْنَانِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ، وَازْدَادَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ، وَكَذَلِكَ جَرَتْ السُّنَّةُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بِالسِّدْرِ، وَالْحُرُضِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا إذَا صَارَ غَلِيظًا كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا.

وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ بِالطِّينِ أَوْ بِالتُّرَابِ، أَوْ بِالْجِصِّ، أَوْ بِالنُّورَةِ أَوْ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ، أَوْ الثِّمَارِ فِيهِ، أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَبَقِيَ مَعْنَاهُ أَيْضًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ الظَّاهِرَةِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْ ذَلِكَ.

وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ لِتَغَيُّرِ طَعْمِ الْمَاءِ، وَصَيْرُورَتِهِ مَغْلُوبًا بِطَعْمِ التَّمْرِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَوَّزَ التَّوَضُّؤَ بِهِ.
وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَوَجَدَ نَبِيذَ التَّمْرِ تَوَضَّأَ بِهِ، وَلَمْ يَتَيَمَّمْ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ مَعَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَرَوَى نُوحٌ فِي الْجَامِعِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، كَذَا قَالَ نُوحٌ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] نَقَلَ الْحُكْمَ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَى التُّرَابِ فَمَنْ نَقَلَهُ إلَى النَّبِيذِ، ثُمَّ مِنْ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 15
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست