responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 126
كَانَ التَّعْجِيلُ فِي الْمَغْرِبِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ قَبْلَهَا مَكْرُوهَةٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ ثَمَانِيًا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» ، وَإِنَّمَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إحْرَازِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالتَّعْجِيلِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَمْكُثُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَدْ كَانَتْ حِيطَانُ حُجْرَتِهَا قَصِيرَةً فَتَبْقَى الشَّمْسُ طَالِعَةً فِيهَا إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الصَّيْفِ وَمِثْلُهُ يَتَأَتَّى لِلْمُسْتَعْجِلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الْمَغْرِبُ فَالْمُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّعْجِيلُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ جَمِيعًا، وَتَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ مَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ» ؛ وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ سَبَبٌ لِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَالتَّأْخِيرَ سَبَبٌ لِتَقْلِيلِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِالتَّعَشِّي وَالِاسْتِرَاحَةِ فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، وَكَذَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ فَكَانَ أَوْلَى (وَأَمَّا) الْعِشَاءُ الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّأْخِيرُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ النِّصْفِ وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ لِمَا ذُكِرَ، وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ يَكُونُ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَّرَ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ فَوَجَدَ أَصْحَابَهُ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَهُ فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا سَقَمُ السَّقِيمِ وَضَعْفُ الضَّعِيفِ لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: " أَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ حِينَ يَذْهَبُ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، فَإِنْ نِمْتَ فَلَا نَامَتْ عَيْنَاكَ " وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ تَعْرِيضٌ لَهَا لِلْفَوَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَنَمْ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَا يَسْتَيْقِظُ فِي الْمُعْتَادِ إلَى مَا بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ، وَتَعْرِيضُ الصَّلَاةِ لِلْفَوَاتِ مَكْرُوهٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ فِي الشِّتَاءِ رُبَّمَا يَقَعُ فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَنَامُونَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِطُولِ اللَّيَالِي فَيَشْتَغِلُونَ بِالسَّمَرِ عَادَةً، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَأَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ صَحِيفَتِهِ بِالطَّاعَةِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْجِيلُ فِي الصَّيْفِ لَا يُؤَدِّي إلَى هَذَا الْقَبِيحِ لِأَنَّهُمْ يَنَامُونَ لِقِصَرِ اللَّيَالِي فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْخَيْرِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِ الصَّيْفِ أَوْ عَلَى حَالِ الْعُذْرِ.
وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ: الْأَوْلَى تَعْجِيلُهَا لِلْآثَارِ، وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُذْرَ لِمَرَضٍ وَلِسَفَرٍ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِعْلًا، وَلَوْ كَانَ الْمَذْهَبُ كَرَاهَةَ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا لَمَا أُبِيحَ ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، كَمَا لَا يُبَاحُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، هَذَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ هُوَ التَّأْخِيرُ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ التَّعْجِيلُ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْفَظَ هَذَا فَكُلُّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ اسْمِهَا (عَيْنٌ) تُعَجَّلُ، وَمَا لَيْسَ فِي أَوَّلِ اسْمِهَا (عَيْنٌ) تُؤَخَّرُ، أَمَّا التَّأْخِيرُ فِي الْفَجْرِ فَلِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ غَلَّسَ بِهَا فَرُبَّمَا تَقَعُ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ الظُّهْرَ فَرُبَّمَا يَقَعُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَوْ عَجَّلَ الْمَغْرِبَ عَسَى يَقَعُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِلتَّأْخِيرِ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعَصْرِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فَلِئَلَّا يَقَعَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ وَقْتُ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِيهِ وَهْمُ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ أُخِّرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَتُعَجَّلُ الْعِشَاءُ كَيْ لَا تَقَعَ بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ فِي التَّعْجِيلِ تَوَهُّمُ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ قَدْ أُخِّرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَفْضَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ الْجَلِيلِ أَبِي أَحْمَدَ الْعِيَاضِيِّ وَعَلَّلَ وَقَالَ: إنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَرَدُّدًا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجَوَازِ إمَّا الْقَضَاءُ وَإِمَّا الْأَدَاءُ، وَفِي التَّعْجِيلِ تَرَدُّدٌ بَيْنَ وَجْهَيْ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا إلَّا بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 126
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست