responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 123
فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى بِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ النَّهَارُ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ» ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَدَلَّ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ هَذَا فَكَانَ هُوَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ ضَرُورَةً وَالثَّانِي - أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَتْ لِبَيَانِ آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ «مَثَلَكُمْ وَمَثَلَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ بِقِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ بِقِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ؟ فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ فَكُنْتُمْ أَقَلَّ عَمَلًا وَأَكْثَرَ أَجْرًا» .
فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْعَصْرِ أَقْصَرُ مِنْ مُدَّةِ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَقْصَرَ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ، وَالْإِبْرَادُ يَحْصُلُ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَرَّ لَا يَفْتُرُ خُصُوصًا فِي بِلَادِهِمْ، عَلَى أَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ التَّعَارُضِ مَوْضِعُ الشَّكِّ، وَغَيْرُ الثَّابِتِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ قِيلَ: لَا يَبْقَى وَقْتُ الظُّهْرِ بِالشَّكِّ أَيْضًا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ فِيهِمَا، وَالثَّانِي أَنَّ مَا ثَبَتَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَغَيْرُ الثَّابِتِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَخَبَرُ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْسُوخٌ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَغَايُرِ وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَكَانَ الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا فِي الْفَرْعِ، وَلَا يُقَالُ: مَعْنَى مَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ أَيْ بَعْدَ مَا صَارَ، وَمَعْنَى مَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ أَيْ قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا نِسْبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، أَوْ إلَى التَّسَاهُلِ فِي أَمْرِ تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ مِنْهُ أَوْ دَلِيلٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ بِهِ إلَى الِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَمِثْلُهُ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَأَمَّا) أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: خَالَفْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَقُلْتُ: أَوَّلُهُ إذَا دَارَ الظِّلُّ عَلَى قَامَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ، وَآخِرُهُ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ: إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ يَخْرُجُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ، وَفِي قَوْلٍ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ يَخْرُجُ وَقْتُهُ الْمُسْتَحَبُّ وَيَبْقَى أَصْلُ الْوَقْتِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَآخِرُهَا حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ فَاتَهُ الْعَصْرُ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» .

(وَأَمَّا) أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَحِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَكَذَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا، وَالصَّلَاةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَانَتْ بَيَانًا لِأَوَّلِ الْوَقْتِ.
وَأَمَّا آخِرُهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقْتُهَا مَا يَتَطَهَّرُ الْإِنْسَانُ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً عِنْدَهُ لِحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْمَرَّتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَآخِرُهُ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ جِبْرِيلُ عَنْ أَوَّلِ الْغُرُوبِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ أَوَّلِ الْغُرُوبِ مَكْرُوهٌ إلَّا لِعُذْرٍ، وَأَنَّهُ جَاءَ لِيُعَلِّمَهُ الْمُبَاحَ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ الْعَصْرَ إلَى الْغُرُوبِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست