responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 115
وَلِمَحَافِلِ النَّاسِ، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ مُتَعَمِّمًا أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، لِمَا أَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الِاحْتِرَامِ وَالثَّانِي - أَنَّهُ أَمْرٌ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ تَذْكِيرًا لِتَطْهِيرِ الْبَاطِنِ مِنْ الْغِشِّ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَآثِمِ، فَأَمَرَ لَا لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ تَطْهِيرًا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْحَدَثِ لَا يُنَافِي الْعِبَادَةَ وَالْخِدْمَةَ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ؟ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا سَبَبِ مَأْثَمٍ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي فِي بَاطِنِهِ أَسْبَابُ الْمَآثِمِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ دَلَالَةً وَتَنْبِيهًا عَلَى تَطْهِيرِ الْبَاطِنِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَتَطْهِيرُ النَّفَسِ عَنْهَا وَاجِبٌ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ وَجَبَ غَسْلُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ شُكْرًا لِنِعْمَةٍ وَرَاءَ النِّعْمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا الصَّلَاةُ، وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ وَسَائِلُ إلَى اسْتِيفَاءِ نِعَمٍ عَظِيمَةٍ، بَلْ بِهَا تُنَالُ جُلُّ نِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَالْيَدُ بِهَا يَتَنَاوَلُ وَيَقْبِضُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالرِّجْلُ يَمْشِي بِهَا إلَى مَقَاصِدِهِ، وَالْوَجْهُ وَالرَّأْسُ مَحَلُّ الْحَوَاسِّ وَمَجْمَعُهَا الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ عِظَمُ نِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَالْأُذُنِ، الَّتِي بِهَا الْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالسَّمْعُ، الَّتِي بِهَا يَكُونُ التَّلَذُّذُ وَالتَّشَهِّي وَالْوُصُولُ إلَى جَمِيعِ النِّعَمِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ شُكْرًا لِمَا يُتَوَسَّلُ بِهَا إلَى هَذِهِ النِّعَمِ وَالرَّابِعُ - أَمَرَ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَكْفِيرًا لِمَا ارْتَكَبَ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْإِجْرَامِ، إذْ بِهَا يَرْتَكِبُ جُلَّ الْمَآثِمِ مِنْ أَخْذِ الْحَرَامِ، وَالْمَشْيِ إلَى الْحَرَامِ، وَالنَّظَرِ إلَى الْحَرَامِ، وَأَكْلِ الْحَرَامِ، وَسَمَاعِ الْحَرَامِ مِنْ اللَّغْوِ وَالْكَذِبِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا تَكْفِيرًا لِهَذِهِ الذُّنُوبِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِكَوْنِ الْوُضُوءِ تَكْفِيرًا لِلْمَآثِمِ فَكَانَتْ مُؤَيِّدَةً لِمَا قُلْنَا.

(وَأَمَّا) طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: {وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26] ، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّلَاةَ خِدْمَةُ الرَّبِّ - تَعَالَى - وَتَعْظِيمُهُ، وَخِدْمَةُ الْمَعْبُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ وَتَعْظِيمُهُ بِكُلِّ الْمُمْكِنِ فَرْضٌ، وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ، فَكَانَ طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلَاةِ شَرْطًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ - تَعَالَى -» أَمَّا مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ فَلِكَوْنِهِمَا مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ.
وَأَمَّا مَعَاطِنُ الْإِبِلِ فَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى النَّهْيِ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَاتِ عَادَةً، لَكِنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» مَعَ أَنَّ الْمَعَاطِنَ وَالْمَرَابِضَ فِي مَعْنَى النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: مَعْنَى النَّهْيِ أَنَّ الْإِبِلَ رُبَّمَا تَبُولُ عَلَى الْمُصَلِّي فَيُبْتَلَى بِمَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَهَذَا لَا يُتَوَهَّمُ فِي الْغَنَمِ وَأَمَّا قَوَارِعُ الطُّرُقِ فَقِيلَ إنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ عَادَةً، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ، وَقِيلَ: مَعْنَى النَّهْيِ فِيهَا أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْمَارَّةُ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا لَا يُكْرَهُ، وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يُصَلِّي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْبَادِيَةِ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَمَعْنَى النَّهْيِ فِيهِ أَنَّهُ مَصَبُّ الْغُسَالَاتِ وَالنَّجَاسَاتِ عَادَةً، فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعِ الْحَمَّامِيِّ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى النَّهْيِ فِيهِ أَنَّ الْحَمَّامَ بَيْتُ الشَّيْطَانِ، فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ، سَوَاءٌ غُسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَوْ لَمْ يُغْسَلْ وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَقِيلَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْيَهُودِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي بَعْدِي مَسْجِدًا» .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إلَى قَبْرٍ فَنَادَاهُ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، فَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ يَقُولُ: الْقَمَرَ الْقَمَرَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ، فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى تَنَبَّهَ فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَتُكْرَهُ، وَقِيلَ مَعْنَى النَّهْيِ أَنَّ الْمَقَابِرَ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ الْجُهَّالَ يَسْتَتِرُونَ بِمَا شَرُفَ مِنْ الْقُبُورِ فَيَبُولُونَ وَيَتَغَوَّطُونَ خَلْفَهُ، فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِانْعِدَامِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ وَأَمَّا فَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَعْنَى النَّهْيِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصُّعُودِ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا النَّهْيُ لِلْإِفْسَادِ، حَتَّى لَوْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ وَسَنَذْكُرُ الْكَلَامَ فِيمَا بَعْدُ
وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ كَانَتْ التَّمَاثِيلُ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بِالْقَطْعِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَمَاثِيلَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 115
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست