اسم الکتاب : المحيط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف : ابن مازَة الجزء : 1 صفحة : 93
قيل الجملة ثلاثمئة. وحجة مالك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من النجاسات فقال عليه السلام: «الماء طهور لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» فالنبي عليه السلام نفى تنجس المياه إلا بتغير إحدى الأوصاف الثلاثة.
حجة الشافعي: قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثاً» . حجتنا على مالك قوله عليه السلام «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم اليسير ولا يغتسلن فيه عن جنابة» ، والغسل عن الجنابة لا يوجب تغير الطعم واللون والريح، فلولا أن الماء الراكد اليسير يتنجس بوقوع النجاسة فيه على كل حال وإلا لم يكن لهذا النهي معنى وفائدة. قال عليه السلام: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في إناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده» . أمر بغسل اليد بطريق الاحتياط حال توهم النجاسة، وإدخال مثل هذه اليد في الإناء لا يوجب تغير الطعم واللون والريح، فلولا أن النجاسة إذا كانت متيقنة يتنجس الماء على كل حال وإلا لم يكن لهذا الاحتياط حالة التوهم معنى، ولأن القياس في الكثير أن يتنجس أيضاً لأن الجزء الذي لاقاه النجاسة يتنجس بملاقاة النجاسة إياه كما في غير الماء من المائعات وإذا تنجس ذلك الجزء والذي يجاوره ثم وثم حتى يصير الكل نجساً كما في غير الماء من المائعات لكن تركنا القياس في الكثير لأجل الضرورة لأن صون الكثير بالأواني غير ممكن والضرورة في القليل لأن صون القليل بالأواني ممكن فنعمل في القليل بالقياس وأما حديث بئر بضاعة فليس بثابت، ولو ثبت فهو محمول على أن ماءه كان كثيراً، أو كان جارياً فإنه روي أنه كان يُسقى منه خمسة بساتين أو سبعة بساتين.
وحجتنا على الشافعي أن رسول الله عليه السلام حكم بنجاسة ماء البئر بوقوع الفأرة فيه وكذلك الصحابة أجمعوا على نجاسة ماء البئر بوقوع الفأرة وفيه، ماء البئر في العادة تكون أكثر من مئتين وخمسين منّاً. وأما ما تعلق به الشافعي رحمه الله قلنا: لا يصح التعلق به من وجوه فإن في سنده ضعفاً، روي عن علي بن المديني إسناد البخاري أنه قال: لا يصح هذا الحديث عن رسول لله عليه السلام وفي متنه اضطراب، روي «إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثاً» وروي «إذا بلغ الماء أربعين قلة» ، والقلّة مجهولة تذكر ويراد بها قامة الرجل، وتذكر ويراد بها رأس الجمل وتذكر ويراد بها الجرة، فلا يتعين البعض إلا بدليل، وقوله «لا تحمل خبثاً» يحتمل معنيين. يحتمل ما قاله الشافعي، ويحتمل معنى
اسم الکتاب : المحيط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف : ابن مازَة الجزء : 1 صفحة : 93