اسم الکتاب : المحيط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف : ابن مازَة الجزء : 1 صفحة : 532
لأن الترتيب بين الوقتية وبين الفائتة ليس بواجب؛ لأن المتخلل كثير والله أعلم.
أما بضيق الوقت؛ فلأنه لو لم يسقط الترتيب عند ضيق الوقت تفوته الوقتية عن وقتها، وأداء الوقتية ثابت في وقتها بكتاب الله تعالى، ومراعاة الترتيب في الصلوات ثبت بأخبار الآحاد، ولا شك أن العمل بما ثبت بالكتاب أولى من العمل بما ثبت بالخبر الواحد، فإن عند سعة الوقت أيضاً لو بقي الترتيب معتبراً يؤدي إلى ترك العمل بما ثبت بكتاب الله تعالى، ثبت الجواز كما زالت الشمس.
ولو أوجبنا الترتيب (87أ1) ومنعنا الجواز، قلنا: لو لم يبق الترتيب معتبراً في هذه الحالة فقد تركنا ما ثبت بالخبر الواحد أصلاً، ولو بقي الترتيب معتبراً لا يبطل ما ثبت بكتاب الله تعالى، بل يتأخر، ولا شك أن تأخير ما ثبت بكتاب الله تعالى أولى من ترك ما ثبت بالخبر الواحد أصلاً.
ثم اختلف المشايخ فيما بينهم: أن العبرة لأصل الوقت، أم للوقت المستحب الذي لا كراهة فيه؟ قال بعضهم: العبرة لأصل الوقت، وقال بعضهم: العبرة للوقت المستحب، وقال الطحاوي على قياس قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله: العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد رحمه الله: العبرة للوقت المستحب.
بيانه: إذا شرع في العصر وهو ناسٍ للظهر ثم تذكر الظهر في الوقت، لو اشتغل بالظهر يقطع العصر في وقت مكروه على قول من قال: العبرة لأصل الوقت يقطع العصر ويصلي الظهر ثم يصلي العصر، وعلى قول من قال: العبرة للوقت المستحب يمضي في العصر ثم يصلي الظهر بعد غروب الشمس.
وفي «المنتقى» و «نوادر الصلاة» : إذا افتتح العصر من أول وقته وهو ناسٍ للظهر ثم احمرت الشمس ثم ذكر الظهر يمضي في العصر، وهذا يظن شرع في العصر في أول الوقت، وهو ذاكر للظهر أن العبرة للوقت المستحب، وإن افتتح العصر في أول وقتها، وهو ذاكر للظهر ثم احمرت الشمس قطع العصر ثم استقبلها مرة أخرى؛ لأنه افتتحها فاسدة بخلاف الفصل الأول، لو افتتح العصر في آخر وقتها، فلما صلى ركعتين غربت الشمس ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، فإنه يتم العصر ثم يقضي الظهر؛ لأنه لو افتتح العصر في آخر وقتها مع تذكر الظهر يجوز، فهذا أولى، ولو تذكر في وقت العصر أنه لم يصل الظهر وهو متمكن من أداء الظهر قبل تغير الشمس، إلا أن عصره أو بعض عصره يقع بعد التغير عندنا يلزمه الترتيب، لا يجوز أداء العصر قبل قضاء الظهر، وعلى قول الحسن: لا يلزمه الترتيب إلا إذا تمكن من أداء الصلاتين قبل العصر.
وأما لكثرة الفوائت، فلأن كثرة الفوائت في معنى ضيق الوقت؛ لأن الفوائت إذا كثرت لو راعى الترتيب فاتته الوقتية، فمراعاة الترتيب في هذه المواضع سقط لأجل العذر، وليس إذا كان الحكم يثبت في موضع بعذر ما يدل على أنه يثبت في موضع آخر بغير عذر، وقال زفر رحمه الله: الترتيب لا يثبت بكثرة الفوائت إذا كان الوقت يسع لها وللوقتية، وإن كانت الفوائت عشراً أو أكثر؛ لأن مراعاة الترتيب حكم الخبر الواحد،
اسم الکتاب : المحيط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف : ابن مازَة الجزء : 1 صفحة : 532