فَنعم مَطِيَّة الْمُؤمن الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة وَقَالَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ حِين سَأَلَهُ رجل عَن أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان فَقَالَ الصَّلَاة وَأكل الْخبز فَنظر إِلَيْهِ الرجل كالمتعجب فَقَالَ لَوْلَا الْخبز مَا عبد الله تَعَالَى يَعْنِي بِأَكْل الْخبز يُقيم صلبه فَيمكن من إِقَامَة الطَّاعَة
ثمَّ الْمَذْهَب عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء رَحِمهم الله أَن المكاسب كلهَا فِي الْإِبَاحَة سَوَاء قَالَ بعض المتقشفة مَا يرجع إِلَى الدناءة من المكاسب فِي عرف النَّاس لَا يسع الْإِقْدَام عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَيْسَ لِلْمُؤمنِ أَن يذل نَفسه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى يحب معالي الْأُمُور وَيبغض سفسافها والسفاف مَا يذل الْمَرْء بخسته
وَحجَّتنَا فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الذُّنُوب ذنوبا لَا يكفرهَا الصَّوْم وَلَا الصَّلَاة قيل مَا يكفرهَا يَا رَسُول الله قَالَ الهموم فِي طلب الْمَعيشَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب الْحَلَال كمقارعة الْأَبْطَال وَمن بَات نَاوِيا فِي طلب الْحَلَال بَات مغفورا لَهُ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال الِاكْتِسَاب للانفاق على الْعِيَال من غير تَفْضِيل بَين أَنْوَاع الْكسْب وَلَو لم يكن فِيهِ سوى التعفف واستغناء عَن السُّؤَال لَكَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السُّؤَال آخر كسب العَبْد أَي يبْقى فِي ذلته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحكيم بن حزَام رَضِي الله عَنهُ أَو لغيره