responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خَبَثًا وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَاسَاتُ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْخَبَائِثِ فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَحْرِيمًا مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ اخْتِلَاطِهَا وَانْفِرَادِهَا بِالْمَاءِ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَيَقَّنَّا بِهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَتَكُونُ جِهَةُ الْحَظْرِ مِنْ طَرِيقِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ قُدِّمَ الْمُحَرِّمُ وَأَيْضًا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إذَا خَالَطَهُ الْيَسِيرُ مِنْ النَّجَاسَةِ كَاللَّبَنِ وَالْأَدْهَانِ أَنَّ حُكْمَ الْيَسِيرِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ وَأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ فَكَذَا الْمَاءُ بِجَامِعِ لُزُومِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ الْقَلِيلَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رَائِحَتَهُ وَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْإِنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ احْتِيَاطًا مِنْ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ وَلَوْلَا أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنًى وَحُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِقَوْلِهِ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا» ، وَهُوَ لَا يُغَيَّرُ اهـ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ تَغَيَّرَ أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ وَفِي بَعْضِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ بِرِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتِنُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ دَخَلْت عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ فَقَالَ لَوْ أَنِّي أَسْقَيْتُكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ مِنْهَا قُلْنَا هَذَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ بِسَنَدِهِ إلَى الْوَاقِدِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ قُلْنَا قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَارِيًا أَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ إذَا وَقَعَ فِيهِ عَذِرَةُ النَّاسِ وَالْجِيَفُ وَالْمَحَائِضُ وَالنَّتِنُ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ وَلَوْنُهُ وَيَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ إجْمَاعًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ اسْتِثْنَاءٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَرَيَانِ مَائِهَا
فَإِنْ قِيلَ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ مَدَدْت رِدَائِي عَلَى بِئْرِ بُضَاعَةَ ثُمَّ ذَرَّعْتهَا فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا قَالَ رَأَيْت فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرًا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إثْبَاتٌ وَمَا نَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْبُسْتَانِيِّ نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْبُسْتَانِيُّ الَّذِي فَتَحَ الْبَابَ مَجْهُولُ الشَّخْصِ وَالْحَالُ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ أَبَا دَاوُد تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةٌ كَثِيرَةٌ وَدَلِيلُ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ، وَهُوَ مُضِيُّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يُخْرِجْ قَدْرَ مَا فِيهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِ، فَذَلِكَ الْخَارِجُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ فَكَذَا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْخَارِجَ طَاهِرٌ لِحُكْمِنَا بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، وَإِنْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَرَجَ وَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ اهـ.

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست