responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 71
السَّمَاءِ مَاءُ الْمَطَرِ وَالنَّدَى وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إذَا كَانَ مُتَقَاطَرًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ سَكْتَةً يَقُولُ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْهَا اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَفِي رِوَايَةٍ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» وَلَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ، وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ، وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الَّتِي هِيَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الْمُخَالِطُ الطَّاهِرُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْمَاءِ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ الْمِلْحِ وَالنُّورَةِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ تُرَابًا طُرِحَ فِيهِ قَصْدًا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ كَالزَّعْفَرَانِ وَالدَّقِيقِ وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالطُّحْلُبِ الْمَدْقُوقِ بِمَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ كَذَا فِي الْمُهَذَّبِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ هَلْ صَارَ بِهِ مُقَيَّدًا أَمْ لَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يُقَيَّدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمُدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِمَا وَتَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ تَعَالَ نَشْرَبْ نَتَوَضَّأْ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَهُ لِمُحْرِمٍ وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ اغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَالْمَيِّتُ لَا يُغَسَّلُ إلَّا بِمَاءٍ يَجُوزُ لِلْحَيِّ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ وَالْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخَلْطِ السِّدْرِ بِالْمَاءِ أَوْ بِوَضْعِهِ عَلَى الْجَسَدِ وَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالتَّغْيِيرِ.
وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ «وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» فَلَوْلَا أَنَّهُ طَهُورٌ لَمَا أَمَرَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ النَّاقِصِ وَفِي الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِطَاهِرٍ غَيْرِهِ قُصُورٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ ذَاتًا لَا وَصْفًا وَالْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِطَاهِرٍ كَامِلٌ ذَاتًا فَيَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ الِاسْمِ
فَإِنْ قِيلَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ هَذَا الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُحْرِمُ الْمَاءَ الْمُخْتَلِطَ بِالزَّعْفَرَانِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَاءً فَاشْتَرَى هَذَا الْمَاءَ لَا يَجُوزُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ أَقُولُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْجَوَابُ: أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَالْوَكَالَةِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ وَفِي الْعُرْفِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يُشْرَبُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ اسْتَعْمَلَ عَيْنَ الطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالدَّوَامُ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا كَمَا يَجُوزُ فِي عَيْنِ فِعْلِهِ الْمَاضِي، وَهِيَ بِالضَّمِّ فِي الْمُضَارِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بِالْمُكْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَنْتَنَ لِلنَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: لَا بِمَا تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) عُطِفَ عَلَى بِمَاءِ السَّمَاءِ يَعْنِي لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا تَغَيَّرَ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ بِأَنْ صَارَ ثَخِينًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَيَتَغَيَّرُ مَاؤُهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَرُوِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْلَال لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 71
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست