responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 6
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ وَغَلَّطَهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُمْ التَّفْصِيلِيَّةُ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ وَإِخْرَاجُ الْخِلَافِيِّ بِهِ غَلَطٌ وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ انْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسْلِيمِهِ مِنْ الْفِقْهِ وُجُودَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي إجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونُ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فَقِيهًا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ إخْرَاجًا لِعِلْمِ الْخِلَافِيِّ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ اهـ.
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَيْدِ الِاسْتِدْلَالِ فَذَهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالضَّرُورَةِ كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَحَقَّقَ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مُشْعِرٌ بِالِاسْتِدْلَالِ إذْ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مَأْخُوذًا مِنْ الدَّلِيلِ فَخَرَجَ مَا كَانَ بِالضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا فَهُوَ لِلتَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا أَوْ لِدَفْعِ الْوَهْمِ أَوْ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِضَرُورَةٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِالِاسْتِدْلَالِ لَكَانَ مُخْرِجًا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي عِلْمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ هَلْ يُسَمَّى فِقْهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ لَا يُسَمَّى فِقْهًا وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِنَا الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا وَيَصِحُّ تَعْرِيفُهُ بِنَفْسِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ كَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهَا تَارَةً بِإِزَاءِ مَعْلُومَاتٍ مَخْصُوصَةٍ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ أَيْ يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَتَارَةً بِإِزَاءِ إدْرَاكِ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ وَهَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهُ فِي التَّقْوِيمِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَرْبِ عِلْمٍ أُصِيبَ بِاسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى وَضِدُّ الْفَقِيهِ صَاحِبُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي مَعَانِيهَا وَلَا يَرَى الْقِيَاسَ حُجَّةً اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَبْ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي قَوْلِهِمْ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ وَغَيْرَهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْأَرْبَعَةِ وَعَرَّفَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَالْوِجْدَانِيَّات أَيْ الْأَخْلَاقَ الْبَاطِنَةَ وَالْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ فَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ هِيَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَالتَّصَوُّفِ كَالزُّهْدِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَحُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ هِيَ الْفِقْهُ الْمُصْطَلَحُ، فَإِنْ أَرَدْت بِالْفِقْهِ هَذَا الْمُصْطَلَحَ زِدْت عَمَلًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَرَدْت عِلْمَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَمْ تَزِدْ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا لَمْ يَزِدْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الشُّمُولَ أَيْ أَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَوْ الْعَمَلِيَّاتِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى الْكَلَامَ فِقْهًا أَكْبَرَ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خُسْرو أَنَّ الْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ آثَارِهَا التَّابِعَةِ لَهَا مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَهِيَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ.
هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى الْفِقْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهُمْ الْوَلْوَالِجِيُّ بِقَوْلِهِ هَلْ رَأَيْت فَقِيهًا قَطُّ إنَّمَا الْفَقِيهُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ) هُوَ الْمَرْءُ الْمَنْسُوبُ إلَى عِلْمِ الْخِلَافِ يَعْنِي الْجَدَلَ، وَهُوَ الْعَارِفُ بِآدَابِ الْبَحْثِ قَالَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمُكْتَسِبِ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي الْمُثْبِتُ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ فَعِلْمُهُ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ.
وَالتَّمْثِيلُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ وَالْمُقْتَضِي فِي الْوُضُوءِ وُجُودُ الْعَمَلِ وَالنَّافِي فِي الْوِتْرِ كَوْنُهَا صَلَاةً لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَذَا فِي بَعْضِ حَوَاشِيه، وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الدَّاخِلِ تَحْتَ حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (قَوْلُهُ: وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ) يَعْنِي الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِابْنِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى عِلْمِهِمَا بِأَنَّ مَا أُوحِيَ إلَيْهِمَا هُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَذَا إلَّا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِهِ فَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْأَدِلَّةِ لَا مُكْتَسَبٌ مِنْهَا هَذَا أَوْ قَالَ بَعْضُ: مُحَشِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَك أَنْ تَقُولَ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَزِمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَفْهُومِ بِأَسْرِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ: فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 6
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست