responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 24
وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي السَّرَّاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تُوصَفُ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا أَوْ الثَّالِثَةُ وَحْدَهَا بِالسُّنِّيَّةِ إلَّا مَعَ مُلَاحَظَةِ الْأُخْرَى وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ الُمسْتَوْعِيَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قِيلَ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الثَّانِي لِقَوْلِهِمْ وَالْوَعِيدُ فِي الْحَدِيثِ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّلَاثَ سُنَّةً فَلَوْ كَانَ الْإِثْمُ يَحْصُلُ بِالتَّرْكِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرُوا، وَقِيلَ إنْ اعْتَادَ يُكْرَهْ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا دَلِيلَ السُّنَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» فَأَمَّا صَدْرُهُ إلَى قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ» فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا عَجُزُهُ مِنْ قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ» إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَوْلُهُ «تَوَضَّأَ مَرَّةً» أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يُلَازِمُ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ وُجُودَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالْقَبُولُ يَعْتَمِدُ صِدْقَ الْعَزِيمَةِ وَخُلُوصَهَا، وَلَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ نَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَمَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَكَذَا إنْ نَقَصَ لِحَاجَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَوْ نَوَى وُضُوءًا آخَرَ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْحَدِيثِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالظُّلْمَ إلَى النُّقْصَانِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَسْلِ احْتِرَازً عَنْ الْمَسْحِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَسْنُونٍ فَهَلْ يُكْرَهُ فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَعِنْدَنَا لَوْ مَسَحَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ لَا يُكْرَهُ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَا أَدَبًا. اهـ.
وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَنِيَّتُهُ) أَيْ وَنِيَّةُ الْمُتَوَضِّئِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ لَا يَأْثَمُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ وَنَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ إنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ لَيْسَ مُخَالِفًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا مَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ اهـ.
وَفِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ تَارَةً دُونَ الْوَاجِبِ وَتَارَةً مِثْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِحَمْلِ إفْرَادِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي التَّأَكُّدِ وَالْقُوَّةِ فَيَكُونُ بَعْضُهَا لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهِ فِي مَرْتَبَةِ الْوَاجِبِ كَالْجَمَاعَةِ وَبَعْضُهَا لِقِلَّةِ تَأَكُّدِهِ دُونَهُ كَتَثْلِيثِ الْغَسْلِ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لَا تَدَافُعَ فِي كَلَامِهِمْ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا إذَا كَرَّرَ مِرَارًا وَلَفْظُهُ فِي السِّرَاجِ لَوْ تَكَرَّرَ الْوُضُوءُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا لَمْ يُسْتَحَبَّ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
لَكِنْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَإِذَا لَمْ يُؤَدَّ بِهِ عَمَلٌ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ تَكْرَارُهُ قُرْبَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ إسْرَافًا مَحْضًا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ) أَقُولُ: قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ الْمَارِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» ؛ لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِهَا وَحَمَلُوا مَا صُرِّحَ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست