responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 160
يَجُوزُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا بِالْإِحْرَامِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَمَّا إذَا لَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَلَ عِبَادَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ وَالصَّدَقَةِ وَمَتَى فَعَلَ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِنَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالتَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ الشَّعَائِرِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْكَامِلَةِ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) أَيْ بَلْ يَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ الْحَقِيقِيُّ وَالْحُكْمِيُّ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ الْخَلَفِ دُونَ حَالِ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مُبْطِلًا لِلْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْأَدْنَى وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْأَصْلِ وُضُوءًا كَانَ أَوْ غُسْلًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ نَقَضَ الْغُسْلَ نَقَضَ الْوُضُوءَ فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ وَأَحْدَثَ حَدَثًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَنْتَقِضُ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ وَلَيْسَ بِجُنُبٍ.

(قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ مَاءٍ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْكَافِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ قَيَّدْنَا بِالْكَافِي؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ فَنَقَصَ عَنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَوْ مَرَّةً لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَرَّةِ كَفَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدْنَا بِالْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاضِلًا عَنْهَا فَهُوَ مَشْغُولٌ بِهَا، وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي قَوْلِهِ وَقُدْرَةُ مَاءٍ إشَارَتَانِ الْأُولَى إفَادَةُ أَنَّ الْوُجُودَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْوُجُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَفَّارَاتِ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ أُبِيحَ لَهُ الْمَاءُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْقُدْرَةِ وَلَوْ عُرِضَ عَلَى الْمُعْسِرِ الْحَانِثِ الرَّقَبَةُ يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ الثَّانِيَةِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْقُدْرَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ ثُمَّ زَالَ مَرَضُهُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ ثُمَّ زَالَ الْبَرْدُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْتَغَى
فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ ثُمَّ فَقَدَ الْمَاءَ ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ أَوْ الْبَرْدُ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مَوْجُودًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ نَقَضَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ وَمَا لَا فَلَا فَلَوْ قَالُوا وَيَنْقُضُهُ زَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمُ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ وَإِسْنَادُ النَّقْضِ إلَى زَوَالِ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بِخُرُوجِ النَّجَسِ وَزَوَالُ الْمُبِيحِ شَرْطٌ لِعَمَلِ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَهُ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ مِنْ الطَّهُورِيَّةِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ أَثَرِهِ، وَهُوَ طَهَارَةُ الْمُتَيَمِّمِ لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَطْعَ الِاعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ مُقْتَصِرًا، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذْ لَوْ اسْتَنَدَ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ السَّابِقَةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ وَصْفٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ لَا يُفِيدُ دَفْعًا وَلَا يَمَسُّهُ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيَمَسَّهُ بَشَرَتَهُ وَفِي إطْلَاقِهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ تَخْصِيصِ النَّاقِضِيَّةِ بِالْوِجْدَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُفِيدُ إلَّا انْتِهَاءَ الطَّهُورِيَّةِ بِوَجْدِ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِهَاءِ الطَّهُورِيَّةِ انْتِهَاءُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِهِ كَالْمَاءِ تَزُولُ عَنْهُ الطَّهُورِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَتَبْقَى الطَّهَارَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَحَبَطَتْ ثَوَابًا وَعَمَلًا فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَطَهَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ شُرِطَتْ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ لَكِنَّهُ يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ فَالرِّدَّةُ تُحْبِطُ كَوْنَ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لَا كَوْنَهُ طَهَارَةً فَيَبْقَى الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا طَهَارَتَانِ تَصِحُّ بِهِمَا الصَّلَاةُ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَوَائِدُ.

(قَوْلُهُ: فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى السَّوَاءِ) فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ كُلُّ شَيْءٍ نَقَضَ الْغُسْلَ لَكِنْ لَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ كُلُّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَنْقُضُهُ الْحَدَثُ، وَهُوَ لَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ إلَخْ فَقَدْ نَقَضَ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَنْقُضْ الْجَنَابَةَ فَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ وَيَنْقُضُهُ أَيْ التَّيَمُّمَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ كُلِّيًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَوْلَوِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلِ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ لِشُمُولِهِ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ كَذَا فِي الْمِنَحِ وَنَحْوِهِ فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالُوا وَيَنْقُضُهُ زَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَدَلُ قَوْلِهِمْ وَقُدْرَةُ مَاءٍ لَكَانَ أَظْهَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَيَمَّمَ لِبُعْدِهِ مِيلًا

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 160
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست