responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 156
وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى بِأَنْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ وَجْهُهُ فَيَصِيرَ بِمَعْنَى الْمُثْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَوْ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ أَثَرُهُ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَجُوزُ اهـ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ التَّيَمُّمِ عَلَى جُوخَةٍ أَوْ بِسَاطٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِقِلَّةِ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ فِي نَحْوِ الْجُوخَةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الزَّجَّاجُ لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَفْهُومَهُ وَجَبَ تَعْمِيمُهُ وَتَعَيَّنَ حَمْلُ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّعِيدَ بِالتُّرَابِ عَلَى الْأَغْلَبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا وَمَا جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ «إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ» وَلَمْ يَقُلْ التُّرَابَ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ حِيطَانُ الْمَدِينَةِ مَبْنِيَّةٌ مِنْ حِجَارَةٍ سُودٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الطَّهَارَةُ بِهَذَا التَّيَمُّمِ لَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَمَّا رِوَايَةُ «وَتُرَابُهَا طَهُورٌ» فَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ الثَّابِتَ وَتُرْبَتُهَا وَلَا يُرَادُ بِهَا التُّرَابُ بَلْ مَكَانُ تُرْبَتِهَا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ سَلَّمَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَمَلٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يُخَصِّصُ رِوَايَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ الْفَرْدِ مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ، وَهَذَا رَبْطُ حُكْمِ الْعَامِّ نَفْسِهِ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَعْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجُمْهُورَ أَنَّهُ إذْ وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا لَمْ يُخَصِّصْهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ كَقَوْلِهِ «أَيُّمَا أَهَاب» وَكَقَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» لَنَا لَا تَعَارُضَ فَالْعَمَلُ بِهِمَا وَاجِبٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ عِنْدَ قَائِلِيهِ فَذِكْرُهَا يُخْرِجُ غَيْرَهَا قُلْنَا أَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَظَاهِرٌ وَمَنْ أَجَازَ الْمَفْهُومَ فَبِغَيْرِ اللَّقَبِ اهـ.
وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَقَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] اهـ.
وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُمَا مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرِينَةٍ، وَهِيَ هُنَا مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ.

(قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِنْسِ الْأَرْضِ غُبَارٌ حَتَّى لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَجَرٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قُلْنَا مِنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ إذْ لَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ التَّبْعِيضِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ إذْ لَوْ قِيلَ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ بَعْضُهُ أَفَادَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَعْلُ الصَّعِيدِ مَمْسُوحًا وَالْعُضْوَيْنِ آلَتُهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا وَلَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ الْبَيَانِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ الَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَلِّقٌ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.
كَلَامُهُ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُ بِالطِّينِ جَائِزٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَهُ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ وَجَبَ تَأْخِيرُ فِعْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِئَلَّا يُبَاشِرَ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ جَوَازَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَبِمَا سَبَقَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ مَا بَحَثْته فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجُوخَةِ وَأَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحُصُولِ الْغُبَارِ وَعَدَمِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت الشَّيْخَ عُمَرَ بْنَ نُجَيْمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّهْرِ ذَكَرَ عَيْنَ مَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إنِّي رَاجَعْت الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِذَا الَّذِي فِيهَا وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُتَقَدِّمَةَ ثُمَّ قَالَ فَتَوَهَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَوْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمَا هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَائِهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ إنْ اسْتَبَانَ أَثَرُهُ جَازَ، وَإِلَّا لَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ خُصُوصًا فِي ثِيَابِ ذَوِي الْأَشْغَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُخْتَارِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُسَمَّى بِالْحَقَائِقِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ اهـ.
وَأَقُولُ: قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي غَرِيبٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ «وَجُعِلَ تُرْبَتَهَا لَنَا طَهُورًا» مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وَتُرَابُهَا طَهُورًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ هُنَا تُرَابَهَا لَا تُرْبَتَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ) بِجَرِّ قَوْلٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَسْبُوكِ الْوَاقِعِ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 156
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست