responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 100
الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاغْتِسَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الِاغْتِسَالِ الْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْنُونُ مِنْهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ اُسْتُفِيدَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ فَيُوجِبُ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الِاغْتِسَالِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا صِيَانَةً لِكَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَنْ الْإِعَادَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْإِفَادَةِ اهـ.
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ دَفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ، وَمِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي دُفِعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُرَاجِعُهُمَا، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ تَنَجُّسُ الْمَاءِ بِالِاغْتِسَالِ قُلْنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُؤَكَّدًا بَنُونِ التَّوْكِيدِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِرَانِ اهـ.
وَيُسْتَدَلُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْفَرْعُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحُكْمِيَّةِ بِجَامِعِ الِاسْتِعْمَالِ فِي النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحَقِيقِيِّ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقِيَّةِ لَيْسَ إلَّا كَوْنَ النَّجَاسَةِ مَوْصُوفًا بِهَا جِسْمٌ مَحْسُوسٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا أَنَّ وَصْفَ النَّجَاسَةِ حَقِيقَةٌ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ كَذَلِكَ، وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ بَلْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ الْجِسْمِ.
وَفِي الْحَدَثِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَحَقَّقَ لَنَا مِنْ مَعْنَاهَا سِوَى أَنَّهَا اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ مَنَعَ الشَّارِعَ مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ حَالَ قِيَامِهِ لِمَنْ قَامَ بِهِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ قَطَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ كُلَّ ذَلِكَ ابْتِلَاءً لِلطَّاعَةِ فَأَمَّا أَنَّ هُنَاكَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا عَقْلِيًّا أَوْ مَحْسُوسًا فَلَا وَمَنْ ادَّعَاهُ لَا يَقْدِرُ فِي إثْبَاتِهِ عَلَى غَيْرِ الدَّعْوَى، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهِ فِي شَرِيعَتِنَا، وَبِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى اعْتِبَارٍ شَرْعِيٍّ أَلْزَمَ مَعَهُ كَذَا إلَى غَايَةِ كَذَا ابْتِلَاءً وَفِي هَذَا لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْحَدَثِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ نَفْسُ وَصْفِ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَيَثْبُتُ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَهُوَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ، فَيَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ ذَلِكَ كَمَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي نَجَاسَتِهِ خُرُوجَهُ مِنْ الثَّوْبِ مُتَغَيِّرًا بِلَوْنِ النَّجَاسَةِ كَالشَّافِعِيِّ فَلَا فَعِنْدَهُ الْمَاءُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا لَوْنَ لَهَا يُغَايِرُ لَوْنَ الْمَاءِ كَالْبَوْلِ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِهِ دُونَ إزَالَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ لَا يَقْصُرُ وَصْفَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى رَافِعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي نَفْسِ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَهُوَ سَهْلٌ غَيْرَ أَنَّا لَسْنَا إلَّا بِصَدَدِ تَوْجِيهِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أُصُولِنَا، فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَمَّ مَا ذَكَرْت كَانَ لِلْبَلْوَى تَأْثِيرٌ فِي إسْقَاطِ حُكْمِهِ فَالْجَوَابُ الضَّرُورَةُ لَا يَعْدُو حُكْمُهَا مَحَلَّهَا وَالْبَلْوَى فِيهِ إنَّمَا هِيَ فِي الثِّيَابِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُتَوَضِّئِ وَتَبْقَى حُرْمَةُ شُرْبِهِ وَالطَّبْخِ بِهِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ وَنَجَاسَةُ مَنْ يُصِيبُهُ كَذَا قُرِّرَ، وَجَّهَ الْقِيَاسَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ هَمَّامِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّجَاسَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْكِفَايَةِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْخَبَّازِيِّ بِإِشَارَةٍ قَوْله تَعَالَى عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَدَلَّ إطْلَاقُ التَّطْهِيرِ عَلَى ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَدَلَّ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا بَعْدَ التَّوَضُّؤِ عَلَى انْتِقَالِهَا إلَى الْمَاءِ، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ نَجَاسَتَهُ خَفِيفَةً لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِيهِ لِتَعَذُّرِ صِيَانَةِ الثِّيَابِ عَنْهُ وَلِكَوْنِهِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خِفَّةً فِي حُكْمِهِ وَالْحَسَنُ يَجْعَلُ نَجَاسَتَهُ غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَقِيقِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْحَقِيقِيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ «جَابِرٍ قَالَ مَرِضْت فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِنِي فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَبَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ دَفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا إلَخْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ نَهْيُ الِاغْتِسَالِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لَكَيْ لَا تُسْلَبَ الطَّهُورِيَّةَ فَيَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَيُصَلِّي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَتَنَجَّسُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهِ فِي لُزُومِ الْمَحْذُورِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ مَعَ الْمُنَافِي فَيَصْلُحُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُثِيرًا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ اهـ.
وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ هَذَا الْمَحْذُورُ وَلَكِنْ لَا تَنْسَى مَا مَرَّ فِي الْفَسَاقِي مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمُلْقَى وَالْمُلَاقَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي دَفْعُ مَا فِي السِّرَاجِ) أَيْ جَوَابُ السُّؤَالِ الثَّانِي وَمَا فِي السِّرَاجِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَنَّ الْمُغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ لَا يَخْلُو بَدَنُهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ عَادَةً وَالْعَادَةُ كَالْمُتَيَقَّنِ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست