اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 76
المسألة الثالثة:
قال: "المسألة الثالثة: امتثال الأمر يوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقا به فيكون أمرا بتحصيل الحاصل أو بغيره، فلم يمتثل بالكلية. قال أبو هاشم [1]: "لا يوجب كما لا يوجب النهي الفساد, والجواب طلب الجامع ثم الفرق"" أقول: هذا الكلام الذي ذكره المصنف هنا غير محرر فلنشرحه على ما هو عليه ثم نبين وجه الصواب فنقول: امتثال الأمر وهو الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا, يوجب الإجزاء، أي: سقوط الأمر كما صرح به في الحاصل، واقتضاء كلام المحصول لأن الأمر لو لم يسقط فإن كان متعلقا بين ما أتى به أي: طالبا له فيكون أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال، وإن كان متعلقا بغيره فيلزم أن لا يكون المأتي به أولا كل المأمور به بل بعضه، وحينئذ فلا يكون ممثلا وقد فرضناه ممثلا، وقال أبو هاشم وتابعه القاضي عبد الجبار[2]: إن امتثال الأمر لا يوجب الإجزاء، كما أن النهي عن الشيء لا يوجب الفساد, بدليل صحة البيع وقت النداء، والجواب طلب الجامع ثم الفرق أي: نطالبه أولا بالجامع بين الأمر والنهي، فإذا ذكر الجامع ذكرنا الفرق، وهذا الكلام مجرد استرواج فإن الجامع واضح بخلاف الفرق, فكان ينبغي له ذكر الفرق، والسكوت عن طلب الجمع كما فعل الإمام وأتباعه، وتقرير الجامع: أن كلا منهما طلب جازم لا إشعار له بذلك، وأيضا فالأمر ضد النهي، والنهي لا يدل على الفساد، فلا يدل على الأمر على الإجزاء؛ لأن الشيء يحمل على ضده كما يحمل على مثله, والفرق أن الأمر هو اقتضاء الفعل فإذا أدى مرة فقد انتهى الاقتضاء, وأما النهي فمدلوله المنع من الفعل، فإن خالف وأتى به فليس في اللفظ ما يقتضي للتعرض لحكمه، ولا منافاة بين النهي عنه وبين أن يقول: فإن أتيت به جعلته سببا لحكم آخر مع كونه ممنوعا منه، وهذا حاصل كلام الإمام وأتباعه في هذه المسألة.
واعلم أنه قد تقدم أن الإجزاء يطلق على الأداء الكافي لسقوط ما عليه، ويطلق على إسقاط القضاء, فالجمهور يقولون: إنه يدل على أنه لا يجب قضاؤه، وأبو هاشم وعبد الجبار وأتباعهما يقولون: إنه لا يمتنع الأمر بالقضاء أيضا مع فعله، بدليل وجوب المضي في الحج الفاسد ووجوب قضائه، وحينئذ فيلزم من ذلك أنه لا يدل على عدم وجوبه بل يكون عدم الوجوب مستفادا من الأصل هكذا حرره الآمدي وغيره, ونقله صريحا عن الخلاصة، وصوبه ابن برهان أيضا كما نقله عنه الأصفهاني في شرح المحصول، فقال: ذهب عبد الجبار إلى أنه لا يدل على الإجزاء وإنما الإجزاء مستفاد [1] أبو هاشم الجبائي المعتزلي, عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي بن عبد الوهاب، المتكلم المشهور, كان هو وأبوه من كبار المعتزلة، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، ولد سنة "247هـ" وتوفي سنة "321هـ" ببغداد, ودفن في مقابر البستان. "وفيات الأعيان: 3/ 155". [2] القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني، أبو الحسين, قاضٍ، أصولي، كان شيخ الاعتزال في عصره، وهم يلقبونه قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على غيره, ولي القضاء بالري ومات فيها، له تصانيف منها: الأمالي، وشرح الأصول الخمسة، وغيرهما، توفي سنة "415هـ".
اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 76