اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 69
القدرة فالمراد بها هنا هو التمكن من الفعل كما تقدم نقله عن البرهان، وأما الداعية فنقول: إذا علم الإنسان أو ظن أو اعتقد أن له في الفعل أو الترك مصلحة راجحة حصل في قلبه ميل جازم إليه, فهذا العلم أو الظن أو الاعتقاد هو المسمى بالداعية مجازا من قولهم: دعاه أي: طلبه، وكان علمه بالمصلحة طلب منه الفعل وقد يسمى الداعي بالغرض والمجموع من القدرة والداعية يسمى بالعلة التامة، فإذا وجدت يجب وقوع الفعل, وقيل: لا يجب لكن يصير الفعل أولى، وإذا عدمت الداعية امتنع وقوعه على المختار الذي جزم به الإمام، ونقل الأصبهاني شارح المحصول في الأوامر أن أكثر المتكلمين على أن الفعل لا يتوقف عليها، إذا علمت ذلك فتقرير ما قاله المصنف من وجهين، أحدهما ما قاله في المحصول: أن القدرة مع الداعي مؤثرة في وجوه الفعل, ولا امتناع في كون المؤثر مقارنا للأثر فتكون القدرة مقارنة للفعل مع كونه واجب الوقوع, فانتفى قولكم: إن ما كان واجب الصدور لا يكون مقدورا، الثاني وهو الأقرب إلى كلام المصنف وأشار إليه صاحب الحاصل: أن الفعل يترتب وجوده على وجود القدرة مع الداعية فيكون مأمورا حال القدرة والداعية عند المعتزلة لكونه من جملة الأزمان التي قبل الفعل مع أن الفعل واجب الوقوع في تلك الحالة فينتفي ما قلتموه. "واعلم" أن العلة هل هي متقدمة على المعلول أو مقارنة له؟ فيه قولان مشهوران, فإن التزم الخصم القول الأول فجوابه الثاني، وإن التزم الثاني فجوابه الأول, فتلخص أنه لا بد منهما, ولك أن تقول: إذا كان الفعل قبل المباشرة غير مقدور عليه، وعند المباشرة واجب الوقوع فيلزم التكليف بالممتنع أو الواجب, وهو محال.
الفصل الثالث: في المحكوم به
المسألة الأولى:
قال: "الفصل الثالث في المحكوم به وفيه مسائل: الأولى: التكليف بالمحال جائز؛ لأن حكمه لا يستدعي عرضا قبل لا يتصور وجوده, فلا يطلب قلنا: إن لم يتصور امتنع الحكم باستحالته غير واقع بالممتنع لذاته, كإقدام القديم, وقلب الحقائق للاستقراء, ولقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فقيل: أمر أبا لهب بالإيمان بما أنزل, ومنه أنه لا يؤمن فهو جمع بين النقيضين قلنا: لا نسلم أنه أمر به بعد ما أنزل أنه لا يؤمن" أقول: المستحيل على أقسام أحدها: أن يكون لذاته ويعبر عنه أيضا بالمستحيل عقلا، وذلك كالجمع بين الضدين والنقيضين, والحصول في حيزين في وقت واحد، والثاني: أن يكون للعادة كالطيران، وخلق الأجسام, وحمل الجبل العظيم, والثالث: أن يكون لطيران مانع كتكليف المقيد العدو، والزمن المشي، والرابع: أن يكون لانتفاء القدرة عليه حالة التكليف مع أنه مقدور عليه حالة الامتثال كالتكاليف كلها؛ لأنها غير مقدورة قبل الفعل على رأي الأشعري, إذ القدرة عنده لا تكون إلا مع الفعل كما قدمناه في المسألة السابقة, والخامس: أن يكون لتعلق العلم به كالإيمان من الكافر الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن, فإن الإيمان منه مستحيل إذ لو آمن لانقلب علم الله تعالى جهلا، وهذا التقسيم اعتمده فإن بعضهم قد زاد فيه ما ليس منه وغاير بين أشياء
اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 69