اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 229
الوضوح، وفي المثل: "قد بين الصبح لذي عينين" أي: تبين، هذا لفظه، فأطلق التبيين على الوضوح وهو مصدر وضح لا أوضح, تقول: وضح الشيء وضوحا فهو واضح، فيكون اسم المفعول منه وهو المبين يطلق أيضا على ما قد وضح بنفسه وإن لم يوضحه غيره. القسم الثاني: الواضح بغيره وهو ما يتوقف فهم المعنى منه على انضمام غيره إليه وذلك الغير وهو الدليل الذي حصل به الإيضاح يسمى مبينا بكسر الياء، وله أقسام ذكرها المصنف بمثلها في المسألة الآتية، وهذا التقرير هو الصواب فاعتمده، ووقع في كثير من الشروح هنا أغلاط منها أن قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} تمثيل الواضح بغيره وهو خلاف ما في المحصول كما تقدم, وباطل أيضا لأنه قسم ذلك الغير في المسألة الآتية إلى القول والفعل فقط, فلو كان مثالا له لكان انحصاره في القسمين باطلا؛ لأن المبين فيه ليس هو الفعل ولا القول بل العقل، والذي حملهم على ذلك إيهام تقديم قوله: أو بغيره أنه من باب اللف والنشر، والظاهر أن كان مؤخرا عن المثالين، ولكن غيرته الشراح فتأمله. قال: "الأولى أن يكون قولا من الله والرسول, وفعلا منه كقوله تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة: 69] وقوله عليه الصلاة والسلام: "فيما سقت السماء العشر" [1] وصلاته وحجه, فإنه أدل فإن اجتمعا وتوافقا فالسابق, وإن اختلفا فالقول؛ لأنه يدل بنفسه". أقول: المبين -بكسر الياء- قد يكون قولا من الله كقوله تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} إلى آخر الآيات, فإنه بيان لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وقد يكون قولا من الرسول كقوله: "فيما سقت السماء العشر" فإنه بيان للحق المذكور في قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وقد يكون فعلا منه أي من الرسول كصلاته، فإنها بيان لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] ولهذا قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وكحجه فإنه بيان لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ولهذا قال: "خذوا عني مناسككم" [2] وحكى في المحصول عن قوم أنهم منعوا البيان بالفعل؛ لأنه يطول فيتأخر, وأجاب بأن القول قد يكون أطول, واحتج المصنف بأن الفعل أدل أي: أقوى في الدلالة على المقصود وتوضيحه من القول, فإن الخبر ليس كالمعاينة والمشاهدة، فإذا جاز البيان بالقول فبالفعل أولى. قال في المحصول: وإنما يعلم كون الفعل بيانا للمجمل بأحد أمور ثلاثة, أحدها: أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده. وثانيها: أن يقول: هذا الفعل بيان للمجمل. وثالثها بالدليل العقلي: وهو أن يذكر المجمل في وقت الحاجة إلى العمل به, ثم يفعل فعلا يصلح أن يكون بيانا له ولا يفعل شيئا آخر، فيعلم أن ذلك الفعل بيان له، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن قيل: أهمل [1] أخرجه الهندي في كنز العمال "15880" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 221". [2] أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 265", والزيلعي في نصب الراية "3/ 55"، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 437".
اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 229