اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 179
فاسد، وقد تقدم معنى فساد العبادات والمعاملات في أول الكتاب فأغنى عن ذكره، ولنرجع إلى كلام المصنف وحاصله أن النهي يدل من جهة الشرع على الفساد في العبادات، أي: سواء نهى عنها لعينها أو لأمر قارنها؛ لأن الشيء الواحد يستحيل أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه، وحينئذ لا يكون الآتي بالفعل المنهي آتيا بالمأمور به، فيبقى الأمر متعلقا به، ويكون الذي أتى به غير مجزئ، وهو المراد من دعوى الفساد كما تقدم في الكلام على الصحة، هكذا قرره بعضهم، وهو خاص بالعبادات الواجبة أو المسنونة، مع أن الدعوى عامة، فالأولى أن يقال: الصلاة المنهي عنها مثلا لو صحت لوقعت مأمورا بها أمر ندب لعموم الأدلة الطالبة للعبادات، ثم إن الأمر بها يقتضي طلب فعلها، والنهي عنها يقتضي طلب تركها، وذلك جمع بين النقيضين. قوله: "بعينه" هو بالبناء ومعناه بنفسه, وهو متعلق بيكون فافهمه. وهذا الدليل إنما يدل على الفساد من حيث هو وأما كونه من جهة الشرع فلا يدل وهو مطلوبه، على أن الفقهاء قالوا: يجوز أن يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيا عنه بجهتين واعتبارين، كما لو قال لعبده: خط هذا الثوب ولا تخطه في الدار خاطه. وأما النهي في المعاملات فعلى أربعة أقسام؛ لأن النهي لا يخلو إما أن يكون راجعا إلى نفس العقد أم لا. والثاني: لا يخلو إما أن يكون إلى جزئه أم لا. والثالث: لا يخلو إما أن يكون إلى لازم غير مقارن أم لا. فالأول كالنهي عن بيع الحصاة وهو جعل الإصابة بالحصاة بيعا قائما مقام الصيغة وهو أحد التأويلين في الحديث. والثاني كبيع الملاقيح وهو ما في بطون الأمهات، فإن النهي راجع إلى نفس المبيع، والمبيع ركن من أركان العقد؛ لأن الأركان ثلاثة: العاقد والمعقود عليه والصيغة، ولا شك أن الركن داخل في الماهية. والثالث: كالنهي عن الربا, أما الربا النسيئة والتفرق قبل التقابض فواضح كون النهي عنه لمعنى خارج، وأما ربا الفضل فلأن النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين مثلا إنما هو لأجل الزيادة, وذلك أمر خارج عن نفس العقد لأن المعقود عليه من حيث هو قابل للبيع وكونه زائدا أو ناقصا صفة من أوصافه لكنه لازم، والنهي في هذه الثلاثة يدل على الفساد؛ لأن الأولين تمسكوا على فساد الربا بمجرد النهي من غير نكير فكان ذلك إجماعا، وإنما استدل المصنف على الثالث فقط؛ لأنه إذا ثبت ذلك فيه ثبت فيما عداه بالطريق الأولى. وأما الرابع فكالنهي عن البيع وقت نداء الجمعة، فإنه راجع أيضا إلى أمر خارج عن العقد وهو تفويت صلاة الجمعة لا لخصوص البيع, إذ الأعمال كلها كذلك، والتفويت أمر مقارن غير لازم لماهية البيع، وهذا القسم لا يدل على الفساد بدليل صحة الوضوء بالماء المغصوب، وهذا التفصيل الذي اختاره المصنف صرح به الإمام في المعالم لكن في أثناء الاستدلال فافهمه، ونقله الآمدي بالمعنى عن أكثر أصحاب الشافعي واختاره فتأمله، ونقله ابن برهان في الوجيز عن الشافعي نفسه ونص في الرسالة قبيل باب أصل العلم على أنه يدل
اسم الکتاب : نهاية السول شرح منهاج الوصول المؤلف : الإسنوي الجزء : 1 صفحة : 179