اسم الکتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي المؤلف : الريسوني، أحمد الجزء : 1 صفحة : 355
فهو -رضي الله عنه- بعد أن أجابها جوابًا زاجرًا شديدًا لكي ترتدع وتتوب، رأي من حالها أن ذلك قد يدفعها إلى اليأس من رحمة الله، وهذا قد يئول بها إلى الانتحار أو التمادي في الفجور أو ما أشبه هذا من المآلات السيئة، فعدل عن جوابه الأول إلى جواب آخر أليق بحالها.
وقد قرر العلماء أن الفتوى تقدر زمانا ومكانًا وشخصًا. واعتبار المآلات -الذي نحن فيه- يحتاج إلى كل هذا، يحتاج إلى معرفة أحوال الزمان والمكان والأشخاص، لكي يتأتى للمفتي تقدير مآلات الأفعال وآثار فتواه عليها.
ومن هذا الباب أيضًا، ما سماه الشاطبي "تحقيق المناط الخاص"[1]. ذلك أن تحقيق العالم لمناط الحكم، قد يكون عاما. كتحقيقه لمعنى الفقير الذي يستحق الزكاة. وتحقيقه لمعنى الزاني المحصن، وتحقيقه لمعنى العدالة في الشهادة والرواية. وقد يكون خاصا، أي يتعلق بشخص معين لمعرفة ما يناسبه وما ينطبق عليه من أحكام الشرع، وإلى أي حد تناسبه وتنطبق عليه.
فالاجتهاد في مثل هذه الدرجة من الخصوصية، يحتاج إلى نوع خاص من المجتهدين. فلا يكفي أن يكون المجتهد "قانونيا" ماهر بنصوص التشريع وتفصيلاته، ولكنه يتطلب مجتهدًا ماهرًا -أيضًا- بالنفوس وخفاياها وخصوصياتها، وماهرًا بالملابسات الاجتماعية وتأثيراتها. يقول الشاطبي: "فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نورًا يعرف به النفوس ومراميها، وتفاوت إدراكها وقوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها، أو ضعفها، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها. فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها، بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف"[2].
وفي موضع آخر يقول: "ويسمى صاحب هذه الرتبة: الرباني، والحكيم، والراسخ في العلم، والعالم، والفقيه، والعاقل" ومن خصائص اجتهاده "أنه [1] الموافقات: 4/ 97. [2] الموافقات: 4/ 98.
اسم الکتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي المؤلف : الريسوني، أحمد الجزء : 1 صفحة : 355