اسم الکتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي المؤلف : الريسوني، أحمد الجزء : 1 صفحة : 332
ومن هؤلاء أيضًا: بعض أهل البدع والأهواء[1]، فإنهم وقفوا عند "اتباع ظواهر القرآن، على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده"[2].
ومن هؤلاء أيضًا: أتْباع المتشابهات، الذين يعمدون إلى بعض النصوص، فيعزلونها عن أصول الدين وكلياته، ثم يضربون بها محكماته ومسلماته. قال الشاطبي: "ومدار الغلط في هذا الفصل، إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض. فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها، وجزئياتها المرتبة عليها" إلى أن قال:
"فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضًا، كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة.
وشأن متبعي المتشابهات: أخذ دليل ما -أي دليل كان- عفوًا وأخذا أوليا، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكان العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيا"[3].
فالنظرة الشمولية المنسجمة للشريعة وأحكامها، لا تتأتى إلا لمن خبروا المقاصد وأحكموا الكليات، ثم نظروا في الأحكام من خلال ذلك. ومن فاته هذا المستوى، وأهمل هذا النوع من النظر، وقع في التخبط والاضطراب، وأتى بالأقوال الشاذة المجافية لمقاصد الشارع، أو انتهى إلى العجز والانكماش، تاركًا ما ليس لقيصر، لقيصر.
فالمقاصد ليست -فحسب- أداة لإنضاج الاجتهاد وتقويمه، ولكنها -أيضًا- أداة لتوسيعه وتمكينه من استيعاب الحياة بكل تقلباتها وتشعباتها ... ، وفي هذا [1] وهو يشير إلى الخوارج خاصة. [2] الموافقات، 4/ 179. [3] الاعتصام، 1/ 244-245.
اسم الکتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي المؤلف : الريسوني، أحمد الجزء : 1 صفحة : 332