responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 96
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِنَصٍّ مَقْرُونٍ بِهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُطْلَقَ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مُقَابَلَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ؛ وَإِنْ يَجِبْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَدُلَّ عَلَى خُلُوصِ الْجِنَايَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْجَزَاءِ وَاقِعَةٌ عَلَى حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَحَوُّلُ الْعِصْمَةِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْمَشْرُوعِ لِمَا شُرِعَ لَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جَزَى أَيْ قَضَى وَجَزَاءٌ بِالْهَمْزَةِ أَيْ كَفَى وَكَمَالُهُ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الْجِنَايَةِ وَلَا كَمَالَ مَعَ قِيَامِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَرَامًا لِمَعْنًى يَكُونُ فِي غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا ثُبُوتَ الْآخَرِ وَلَا انْتِفَاءَهُ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَهُوَ الْعُمُومَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّمَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ، {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» ، فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَطْعَ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الضَّمَانِ وَإِبْطَالَ الْعِصْمَةِ لَا يَكُونُ هَذَا عَمَلًا بِهَذَا اللَّفْظِ الْخَاصِّ بَلْ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ أَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» ، وَقَدْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ، وَفِيهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْعُمُومَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: أَنَّى بِمَعْنَى كَيْفَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ لَا يَكُونُ إبْطَالُ عِصْمَةِ الْمَالِ عَمَلًا بِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ إبْطَالُ الْعِصْمَةِ ثَبَتَ بِنَصٍّ يُشِيرُ إلَى إبْطَالِهَا، " مَقْرُونٍ " بِقَوْلِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ النَّصُّ بِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ كَقَوْلِك أَنْتَ حُرٌّ نَصٌّ فِي إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ الشَّرْطُ تَغَيَّرَ مُوجِبُهُ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا غَيَّرْنَا هَذَا النَّصَّ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، بِدَلِيلٍ زَائِدٍ اُقْتُرِنَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَزَاءً، وَفِي قَوْلِهِ مَقْرُونٍ بِهِ إشَارَةٌ إلَى نَوْعٍ مِنْ التَّشْنِيعِ عَلَى الْخَصْمِ، وَهُوَ أَنَّهُ غَفَلَ عَنْ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى إشَارَتِهِ ثُمَّ طَعَنَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ فَيَكُونُ الطَّعْنُ عَائِدًا عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَانُ إشَارَتِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَزَاءَ قَدْ أُطْلِقَ هَهُنَا وَالْجَزَاءُ إذَا أُطْلِقَ فِي مَعْرِضِ الْعُقُوبَاتِ يُرَادُ بِهِ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِمُقَابَلَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمِثْلِ وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَتَقَيَّدُ بِهِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً كَالْغَصْبِ وَالْقِصَاصِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْخُصُومَةَ بِدَعْوَى الْحَدِّ وَإِثْبَاتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ إنَّمَا يَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةٍ هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ؛ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ وِفَاقًا وَذَلِكَ بِأَنْ يُثْبِتَ الْحُرْمَةَ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ كَحُرْمَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ مُبَاحًا فِي ذَاتِهِ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى كَشُرْبِ عَصِيرِ الْغَيْرِ وَالْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا الْمَالَ قَبْلَ السَّرِقَةِ مُحْتَرَمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُلُوصِ وَلَمْ يَسْتَبْقِ لِذَاتِهِ حَقًّا حَتَّى صَحَّ بَذْلُ الْعَبْدِ وَإِبَاحَتُهُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ لَهُ بِإِتْلَافٍ وَلَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى ضَمَانٌ ثُمَّ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ، وَهُوَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ حَقًّا لِنَفْسِهِ خَالِصًا فَعَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ الْحُرْمَةَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا اسْتَخْلَصَهَا لِذَاتِهِ وَهِيَ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَبْقَى لِلْعَبْدِ ضَرُورَةٌ كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ وَصَارَ مُحْتَرَمًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَبْقَى حَقًّا لِلْعَبْدِ وَكَالْأَرْضِ تُتَّخَذُ مَسْجِدًا وَصَارَتْ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ وَكَمَا لَا يَبْقَى لِلْبَائِعِ إذَا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَحْوِيلُ الْعِصْمَةِ إلَيْهِ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إبْطَالُ الْعِصْمَةِ إبْطَالُهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَقْلِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إبْطَالُهَا مُطْلَقًا (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ وَاحِدَةٌ بَلْ الْمَالُ مُحْتَرَمٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُودِ النَّهْيِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَمُحْتَرَمٌ أَيْضًا لِحَقِّ الْعَبْدِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 96
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست