responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ هَذَا {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] وَالْفَاءُ حَرْفٌ خَاصٌّ لِمَعْنًى مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْوَصْلُ وَالتَّعْقِيبُ؛ وَإِنَّمَا وَصَلَ الطَّلَاقَ بِالِافْتِدَاءِ بِالْمَالِ فَأَوْجَبَ صِحَّتَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ فَمَنْ وَصَلَهُ بِالرَّجْعِيِّ وَأَبْطَلَ وُقُوعَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يَكُنْ عَمَلًا بِهِ وَلَا بَيَانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَا يَكُونُ الِافْتِدَاءُ إلَّا مِنْ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُحْتَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اخْتَصَّتْ هِيَ بِهِ، وَهُوَ الِافْتِدَاءُ، وَفِيهِ أَيْ فِي الْإِفْرَادِ تَقْرِيرُ فِعْلِ الزَّوْجِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي سَبَقَ، وَهُوَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَمَعَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا يُقِيمَا ثُمَّ خَصَّ جَانِبَهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَتَخَلَّصُ بِالِافْتِدَاءِ إلَّا بِفِعْلِ الزَّوْجِ كَانَ بَيَانًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ أَنَّ فِعْلَهُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ وَمِثْلُ هَذَا الْبَيَانِ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ، {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ، فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْخُلْعِ طَلَاقٌ، فَمَنْ جَعَلَ فِعْلَهُ فِي الْخُلْعِ فَسْخًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَمَلًا بِهَذَا الْخَاصِّ الْمَنْطُوقِ حُكْمًا، وَهُوَ الطَّلَاقُ بَلْ يَكُونُ رَفْعًا.
(فَإِنْ قِيلَ) ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الطَّلَاقَ لَا فِعْلَ الزَّوْجِ صَرِيحًا فَيَثْبُتُ بِالْبَيَانِ السُّكُوتِيِّ هَذَا الْقَدْرُ وَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَلَا يُطَلِّقُهَا مَجَّانًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ لِتَحْصِيلِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْآيَةُ بَيَانَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا بَيَانُ الْخُلْعِ وَكَلَامُنَا فِي الْخُلْعِ (قُلْنَا) بَلْ هِيَ بَيَانُ الْخُلْعِ بِدَلِيلِ سَبَبِ النُّزُولِ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي «جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ كَانَتْ تُبْغِضُ زَوْجَهَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، وَكَانَ يُحِبُّهَا فَتَخَاصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلَبَتْ التَّفْرِيقَ فَقَالَ ثَابِتٌ قَدْ أَعْطَيْتهَا حَدِيقَةً فَلْتَرُدَّ عَلَيَّ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَأَزِيدُهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا بَلْ حَدِيقَتُهُ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا فَفَعَلَ» فَكَانَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا صَارَتْ التَّطْلِيقَاتُ أَرْبَعًا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ (قُلْنَا) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] بَيَانُ الشَّرْعِيَّةِ لَا بَيَانُ الْوُقُوعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ فِي مَوَاضِعَ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مُتَعَدِّدًا بِتَعَدُّدِ الذِّكْرِ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا كَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ أَمَّا الْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَفَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ، وَكَذَلِكَ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ.
فَأَمَّا الْخُلْعُ فَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَالنِّكَاحِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا فَيُجْعَلَ قَطْعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ فَيَكُونَ طَلَاقًا قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى) {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] الْآيَةُ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْحَقُهُ؛ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ عَلَى مَالٍ إذْ لَا بَيْنُونَةَ فِيمَا سِوَاهُمَا عِنْدَهُ هَكَذَا سَمِعْت مِنْ الثِّقَاتِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ لَفْظُ التَّهْذِيبِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ؛ وَإِنْ حُرِّمَ الْوَطْءُ أَمَّا الْمُخْتَلِعَةُ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَلْحَقُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ بِالْخُلْعِ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمْ يَبْقَ الْخِلَافُ إلَّا فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا أَصَحُّ، قَالَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ بِالْآيَةِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست