responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 6
وَذِكْرًا لِلْأَنَامِ وَمَطِيَّةً إلَى دَارِ السَّلَامِ أَحْمَدُهُ عَلَى الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى طَلَبِ الرِّضْوَانِ وَنَيْلِ أَسْبَابِ الْغُفْرَانِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشَّرَائِعِ مَشْرُوعَاتُ هَذِهِ الْمِلَّةِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ دِينًا عَلَى صِيغَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَقِيلَ أَدْيَانًا رَضِيَّةً وَأَنْوَارًا مُضِيئَةً وَالنُّورُ لُغَةً اسْمٌ لِلْكَيْفِيَّةِ الْعَارِضَةِ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ عَلَى ظَوَاهِرِ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْجِدَارِ وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ أَنْ تَصِيرَ الْمَرْئِيَّاتُ بِسَبَبِهِ مُتَجَلِّيَةً مُنْكَشِفَةً وَلِذَا قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ.
ثُمَّ تَسْمِيَةُ الدِّينِ نُورًا بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْحَقِّ لِلْبَصِيرَةِ كَمَا أَنَّ النُّورَ الْجُسْمَانِيَّ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْأَشْيَاءِ لِلْبَصَرِ وَالْإِضَاءَةُ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٍ قَالَ النَّابِعَةَ الْجَعْدِيِّ:
أَضَاءَتْ لَنَا النَّارُ وَجْهًا أَغَرَّ ... مُلْتَبِسًا بِالْفُؤَادِ الْتِبَاسَا
يُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ ... لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا
، فَاسْتَعْمَلَهُ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَاللُّزُومُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالضِّيَاءُ أَقْوَى مِنْ النُّورِ وَأَتَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى الشَّمْسِ وَالنُّورُ إلَى الْقَمَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] ثُمَّ الشَّيْخُ وَصَفَ الدِّينَ بِالنُّورِ أَوَّلًا كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} [الشورى: 52] أَيْ جَعَلْنَا الْإِيمَانَ نُورًا وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8] أَيْ دِينِهِ ثُمَّ وَصَفَهُ بِالْإِضَاءَةِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فِي حَقِّ الْمُتَمَسِّكِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ نُورِ الْقَمَرِ ثُمَّ يَتَزَايَدُ بِالتَّأَمُّلِ وَالِاسْتِدْلَالِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ضَوْءَ الشَّمْسِ.
وَلِأَنَّ الْخَلْقَ كَانُوا فِي ظُلْمَةٍ ظَلْمَاءَ قَبْلَ الْبَعْثِ فَكَانَ ظُهُورُ الدِّينِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ نُورِ الْقَمَرِ فِي الظُّلْمَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ ثُمَّ ازْدَادَ حَتَّى بَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ بِمَنْزِلَةِ ضِيَاءِ الشَّمْسِ؛ فَلِهَذَا وَصَفَهُ بِهِمَا؛ وَلِأَنَّ اسْتِنَارَةَ الْعَالَمِ الْجُسْمَانِيِّ بِهَذَيْنِ الْكَوْكَبَيْنِ فَوَصَفَهُ بِالنُّورِ وَالْإِضَاءَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي الْعَالَمِ الرُّوحَانِيِّ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَذِكْرًا لِلْأَنَامِ وَمَطِيَّةً إلَى دَارِ السَّلَامِ) الذِّكْرُ هَهُنَا الشَّرَفُ قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] أَيْ شَرَفُكُمْ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] قِيلَ ذِي الشَّرَفِ وَالْأَنَامُ الْخَلْقُ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَالْمَطِيَّةُ الْمَرْكَبُ وَالْمِطَاءُ الظَّهْرُ، وَهَذَا الْكَلَامُ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمَطِيَّةَ وَسِيلَةٌ إلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصِدِ فَكَذَلِكَ الدِّينُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ دَارُ السَّلَامِ وَسُمِّيَتْ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ لِسَلَامَةِ أَهْلِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النِّعَمِ عَنْ الْآفَاتِ وَالْفِنَاءِ أَوْ لِكَثْرَةِ السَّلَامِ فِيهَا قَالَ تَعَالَى {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم: 23] {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73] {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَأُضِيفَتْ الدَّارُ إلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهَا.
قَوْلُهُ (أَحْمَدُهُ عَلَى الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ) وَلَمَّا نَظَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَلَائِلِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَعَرَفَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْبَشَرِيَّةَ لَا تَفِي بِالْقِيَامِ بِمُوَاجَبِ حَمْدِهِ كَمَا هُوَ يَسْتَحِقُّهُ، وَإِنَّ سُلُوكَ طَرِيقِ النَّجَاةِ لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِإِعَانَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ قَالَ أَحْمَدُهُ عَلَى الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى طَلَبِ الرِّضْوَانِ يَعْنِي أَحْمَدُهُ عَلَى حَسَبِ وُسْعِي وَطَاقَتِي وَبِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْمِيدِ لَا عَلَى حَسَبِ النِّعَمِ إذَا لَيْسَ ذَلِكَ وُسْعَ أَحَدٍ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] ثُمَّ الْإِمْكَانُ أَعَمُّ مِنْ الْوُسْعِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ قَدْ يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ وَغَيْرَ مَقْدُورٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ نَسْفَ الْجِبَالِ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ وَالْوُسْعُ رَاجِعٌ إلَى الْفَاعِلِ وَالْإِمْكَانُ إلَى الْمَحَلِّ وَخَصَّ طَلَبَ الرِّضْوَانِ أَيْ الرِّضَا بِالِاسْتِعَانَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَعْلَاهَا قَالَ تَعَالَى {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] ثُمَّ ذَكَرَ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْخُطْبَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ»

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 6
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست