responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 289
وَالْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرُمَاتِ وَلَا عِصْيَانَ وَلَا عُدْوَانَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى أَطْرَافِهِ وَيَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى أَسْبَابِهِ وَمَا يُعْمَلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ نُظِرَ إلَى كَوْنِ الْمَاءِ مُطَهِّرًا وَسَقَطَ وَصْفُ التُّرَابِ فَكَذَلِكَ يُهْدَرُ وَصْفُ الزِّنَا بِالْحُرْمَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQزِنًا فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِانْتِسَابِ التَّشَرُّفُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّانِي (فَإِنْ قِيلَ) فَعَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَكُونُ الزِّنَا مَحْظُورًا مِنْ وَجْهٍ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (قُلْنَا) هَذَا الْفِعْلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا مَحْظُورٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْبَعْضِيَّةِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْفِعْلِ جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مَشْرُوعٌ وَالْأُخْرَى مَحْظُورٌ كَمَا مَرَّ، فَوُجُوبُ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مَحْظُورٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَثُبُوتُ وَصْفٍ آخَرَ لِأَصْلِ الْفِعْلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ فِيهِ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةً فَلَا يُوقِعُ خَلَلًا فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْحَدِّ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الشَّرْعُ أَعْرَضَ عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ فِي بَابِ الْحَدِّ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا.
وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا الْحُرْمَةُ تَثْبُتُ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ كَمَا يَثْبُتُ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عُقُوبَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ لَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا تُبَاحَ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ لَا لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالتَّعْلِيلِ، وَالْمَنْصُوصُ حُرْمَةٌ ثَابِتَةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ إلَى الْفُرُوعِ لَا لِإِثْبَاتِ حُرْمَةٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قُلْت وَإِنَّمَا اخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا الطَّرِيقَ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لِمَا كَانَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ جَمِيعًا كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّضَاعُ ثَابِتًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ لَا تَحِلُّ الْمُنَاكَحَةُ وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ أَيْضًا لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ التُّهْمَةِ وَمَذْهَبُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَمَسْرُوقٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ فِي طَرِيقَتِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ فَقَالَ وَيَدُلُّ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ ثُمَّ بِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّا لَا نَجْعَلُ الْحَرَامَ مُحَرِّمًا لِلْحَلَالِ وَإِنَّمَا بُنِيَتْ الْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفِعْلَ حَرْثٌ لِلْوَلَدِ وَحُرْمَةُ هَذَا الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ زِنًا، مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَرَامِ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَكَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ حَرَامٌ حَرَّمَ الْحَلَالَ لَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَالْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرُمَاتِ) أَيْ الْحُرُمَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
(وَلَا عِصْيَانَ) بِالنَّظَرِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا عُدْوَانَ) بِالنَّظَرِ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عِصْيَانَ وَلَا عُدْوَانَ فِي صُنْعِهِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَلَدُ جَمِيعَ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا الْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ الرَّشْدَةِ كَمَا ذَكَرْنَا (ثُمَّ يَتَعَدَّى) أَيْ الْحُرُمَاتِ الْمَذْكُورَةَ (مِنْهُ) أَيْ الْوَلَدِ (إلَى أَطْرَافِهِ) أَيْ طَرَفَيْهِ وَهُمَا الْأَبُ وَالْأُمُّ لَا غَيْرُ لِأَنَّ حُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا لَا يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَّا إلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ حُرْمَةُ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَّا إلَى الْأُمِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُ الْأَطْرَافِ بِالْأَبَوَيْنِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 289
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست