responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 206
وَلِأَنَّهُ نَقَلَ إلَى الصَّوْمِ لِقِيَامِ الْعَجْزِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّوْمِ مَعَ تَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا يُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْعَدَمُ فِي الْعُمُرِ كُلِّهِ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ الْعَدَمَ الْحَالِيَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَتَقْدِيرُ الْعَجْزِ بِالْعُمُرِ يُبْطِلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعَجْزَ الْحَالِيَّ وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِ الظِّهَارِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقُدْرَةَ مُيَسِّرَةٌ فَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَالَ هَهُنَا غَيْرُ عَيْنٍ فَأَيُّ مَالٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْدُ دَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ وَلِهَذَا سَاوَى الِاسْتِهْلَاكُ الْهَلَاكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمَّا كَانَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِهْلَاكُ تَعَدِّيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ لَا بُدَّ لَك مِنْ أَنْ تَفْعَلَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَلْبَتَّةَ وَأَنْ لَا يَفُوتَ عَنْك السَّهَرُ لَا مَحَالَةَ، وَنَظِيرُ الثَّانِي قَوْلُك لِغُلَامِك اشْتَرِ بِهَذَا الدِّرْهَمِ لَحْمًا أَوْ خُبْزًا أَوْ فَاكِهَةً فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّيْسِيرُ وَمَعْنَاهُ اخْتَرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك ثُمَّ يُعْرَفُ الْمَقْصُودُ فِي التَّخْيِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِكَوْنِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ فِيهَا مُتَمَاثِلَةً فِي الْمَعْنَى وَغَيْرَ مُتَمَاثِلَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً فِي الْمَعْنَى فَالتَّخْيِيرُ يَقْتَصِرُ عَلَى الصُّورَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالصُّوَرِ فَيُفِيدُ تَأْكِيدَ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً فِي الْمَعَانِي غَيْرَ مُتَمَاثِلَةٍ فِيهَا كَمَا فِي الصُّوَرِ " فح " يَتَعَدَّى أَثَرُ التَّخْيِيرِ إلَى الْمَعْنَى فَيُفِيدُ التَّيَسُّرَ لَا مَحَالَةَ، فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِقْدَارُ مَالِيَّةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَقِيمَةُ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ تُسَاوِيهِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْكُلُّ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَا يُفِيدُ التَّخْيِيرُ التَّيْسِيرَ قَصْدًا بَلْ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ وَيَصِيرُ مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ لَا مَحَالَةَ إمَّا بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمَاثِلُهُ فِي الْمَالِيَّةِ.
، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا فَالتَّخْيِيرُ فِيهَا يَقَعُ عَلَى الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَيُفِيدُ التَّيْسِيرَ.
1 -
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّ التَّخْيِيرَ يُفِيدُ التَّيْسِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا غَيْرَ عَيْنٍ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ مُخَيَّرٌ فِي تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا فِعْلًا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ وَلَمَّا كَانَ الْكُلُّ وَاجِبًا لَا يُفِيدُ التَّخْيِيرُ التَّيْسِيرَ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ.
قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ نَقْلٌ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَ إلَى الصَّوْمِ بِالْعَجْزِ الْحَالِيِّ مَعَ تَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ فِيمَا بَعْدُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْعَجْزَ الْمُسْتَدَامَ فِي الْعُمُرِ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا فَعَلَيَّ كَذَا وَكَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي حَتَّى لَوْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ لَا تُجْزِيهِ تِلْكَ الْفِدْيَةُ دَلَّ عَلَى تَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَصْلُ الْمُكْنَةِ مَعَ احْتِمَالِ حُدُوثِهَا فِي الْعُمُرِ لِيَبْرَأَ عَنْهُمَا بِالصَّوْمِ وَلَا يَبْقَى تَحْتَ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ إلَى حُدُوثِ الْقُدْرَةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَقَلَ الْحُكْمَ إلَى الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ فِي الْعُمُرِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِآخِرِ الْعُمُرِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَدَاءُ الصَّوْمِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَهُوَ لَا يَجِدُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ عَبْدٌ " فح " لَا يُجْزِيهِ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الِانْتِظَارُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ الِانْتِظَارُ إلَى حُصُولِهِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِ الظِّهَارِ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ وَاجِبٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِثْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهَا الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ الرَّقَبَةِ إلَى الصَّوْمِ.
وَكَذَلِكَ فِي النَّقْلِ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ مَرِضَ أَيَّامًا فَكَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست