responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 166
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ إذْ الْمَرْءُ لَا يَتَحَامَى فِي الْعَادَاتِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ فَصَارَ مَعْنَى الْأَدَاءِ لَغْوًا رَدًّا لِلْغُرُورِ، قُلْنَا نَحْنُ هَذَا أَدَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَصَلَ إلَى يَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَاصِرًا لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ فَكَيْفَ لَا يَتِمُّ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَامِلٌ فَأَمَّا الْخَلَلُ الَّذِي ادَّعَاهُ فَإِنَّمَا وَقَعَ لِجَهْلِهِ وَالْجَهْلُ لَا يُبْطِلُهُ وَكَفَى بِالْجَهْلِ عَارًا فَكَيْفَ يَكُونُ عُذْرًا فِي تَبْدِيلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ اللَّازِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَاصِبِ كَذَا ذَكَرُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فَالنُّكْتَةُ الْأُولَى تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يُوجَدْ، وَالثَّانِيَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ وُجِدَ قَاصِرًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْيًا لِلْغُرُورِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ وَبِهِ يَنْعَدِمُ مَا كَانَ فَائِتًا وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ أَنَّهُ جَهِلَ بِحَالِهِ وَجَهْلُهُ لَا يَكُونُ مُبْقِيًا لِلضَّمَانِ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مَعَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْمُسْقِطَةِ كَمَا أَنَّ جَهْلَ الْمُتْلِفِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ إذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ.
وَأَمَّا الْغُرُورُ فَثَابِتٌ وَلَكِنَّ الْغُرُورَ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ لَا يُوجِبُ حُكْمًا كَمَنْ عَرَّفَ بِسُرَّاقٍ فِي الطَّرِيقِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّرِيقَ أَمْنٌ فَخَرَجُوا فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ لَا يَضْمَنُ الْغَارُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ مَا يُوجَدُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ ضَمَانٍ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْغَاصِبَ الْمُضِيفَ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا.
وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلُ الْغَاصِبِ هُوَ الرَّدُّ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَكِنْ تَنَاوُلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ كَافٍ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ الْغَاصِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ إلَى بَيْتِ الْغَاصِبِ وَأَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُ الْغَاصِبِ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَطْعَمَهُ الْغَاصِبُ إيَّاهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ) إذْ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَالْغُرُورُ قَبِيحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ.
إذْ الْمَرْءُ لَا يَتَحَامَى أَيْ لَا يَجْتَنِبُ وَلَا يَحْتَرِزُ فِي الْعَادَاتِ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَوْ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ لَا يُبَالِي بِإِتْلَافِهِ بِخِلَافِ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُحْتَرَزُ عَنْ إتْلَافِهِ أَشَدَّ الِاحْتِرَازِ بَقَاءً لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغُرُورِ لَا إلَى فِعْلِهِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَارِّ، فَبَطَلَ مَعْنَى الْأَدَاءِ أَيْ بَطَلَ إيصَالُهُ إلَى الْمَالِكِ حَقِيقَةً رَدًّا لِلْغُرُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَحَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ لِكَوْنِهِ غُرُورًا.
وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَاصِرًا لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ جَوَابُ عَيْنٍ نُكْتَةٌ لِلشَّافِعِيِّ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَاصِبَ أَزَالَ يَدًا مُطْلَقَةً لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا أَعَادَ بِتَقْدِيمِ الطَّعَامِ إلَيْهِ إلَّا يَدَ إبَاحَةٍ فَكَانَ هَذَا أَدَاءً قَاصِرًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْكَامِلِ فَأَجَابَ وَقَالَ لَوْ كَانَ قَاصِرًا كَمَا زَعَمْتُمْ لَتَمَّ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي أَدَاءِ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ مَعَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَاصِرٌ بَلْ هُوَ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مَالِكِهِ أَصْلًا وَوَصْفًا.
وَقَوْلُهُ مَا أَعَادَ الْأَيْدِ إبَاحَةً قُلْنَا جِهَةُ الْإِبَاحَةِ سَاقِطَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ إلَّا جِهَةُ الْمِلْكِ فَأَمَّا الْخَلَلُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَهُوَ الْغُرُورُ الَّذِي تَضْمَنَّهُ هَذَا الْأَدَاءُ فَإِنَّمَا وَقَعَ بِجَهْلِ الْمَالِكِ وَالْجَهْلُ أَيْ جَهْلُ الْمَالِكِ لَا يُبْطِلُ الْأَدَاءَ الصَّادِرَ مِنْ الْغَاصِبِ إذْ عِلْمِ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَفَى بِالْجَهْلِ عَارًا؛ لِأَنَّهُ نَقِيصَةٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُعَيَّرُ بِهِ فَوْقَ تَعْيِيرِهِ بِنُقْصَانِ أَعْضَائِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ عُذْرًا فِي تَبْدِيلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ اللَّازِمِ وَهُوَ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ يَعْنِي تَسْلِيمَ هَذَا الْعَيْنِ إلَى الْمَالِكِ فَرْضٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَقَدْ أَتَى بِهِ بِجَهْلِهِ بِأَنَّ هَذَا مِلْكُهُ لَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَقَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ أَعْتَقْته وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 166
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست