responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 39
مَشَقَّةَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ، فَقَدْ فَضَّلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى إزَالَةِ الْخُلُوفِ بِالسِّوَاكِ، مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ثَوَابَهُ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلَمْ يُوَافِقْ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ ثَوَابِ الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْفَضِيلَةِ حُصُولُ الرُّجْحَانِ بِالْأَفْضَلِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَمْ مِنْ عِبَادَةٍ قَدْ أَثْنَى الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فَضِيلَتَهَا مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا أَفْضَلُ مِنْهَا، وَهَذَا مِنْ بَابِ تَزَاحُمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ السِّوَاكَ نَوْعٌ مِنْ التَّطَهُّرِ الْمَشْرُوعِ لِإِجْلَالِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْعُظَمَاءِ مَعَ طَهَارَةِ الْأَفْوَاهِ تَعْظِيمٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ السِّوَاكُ وَلَيْسَ فِي الْخُلُوفِ تَعْظِيمٌ وَلَا إجْلَالٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ فَضِيلَةَ الْخُلُوفِ تَرْبُو عَلَى تَعْظِيمِ ذِي الْجَلَالِ بِتَطْيِيبِ الْأَفْوَاهِ؟ ، وَيَدُلُّ أَنَّ مَصْلَحَةَ السِّوَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْخُلُوفِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ، وَلَوْلَا أَنَّ مَصْلَحَتَهُ أَتَمُّ مِنْ مَصْلَحَةِ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْخُلُوفِ لَمَا أُسْقِطَ إيجَابُهُ لِمَشَقَّتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ انْتَهَتْ إلَى رُتَبِ الْإِيجَابِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ بِقَوْلِهِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ الْمُعَارِضِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى دَمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَاكَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ، فَشُرِعَ لَهُ تَطْهِيرُ فَمِهِ بِالسِّوَاكِ، وَجَسَدُ الْمَيِّتِ قَدْ صَارَ جِيفَةً غَيْرَ مُنَاجِيَةٍ، فَلَا يَصِحُّ - مَعَ ذَلِكَ - الْإِلْحَاقُ.

اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست