responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 37
الْمُصَلِّي إلَى إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ رَفْعَ دَرَجَةٍ وَحَطَّ خَطِيئَةٍ، وَجَعَلَ أَبْعَدَهُمْ مَمْشًى إلَى الصَّلَاةِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَقْرَبِهِمْ مَمْشًى إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ جَعَلَ لِلْمُسَافِرِينَ إلَى الْجِهَادِ - بِمَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَالْمَخْمَصَةِ وَالنَّفَقَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَقَطْعِ الْأَوْدِيَةِ وَبِمَا يَنَالُونَهُ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَبِالْوَطْءِ الْغَائِظِ لِلْكُفَّارِ - أَجْرَ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَكَذَلِكَ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ النَّاشِئَةِ عَنْ الْعِبَادَةِ أَوْ عَنْ وَسَائِلِ الْعِبَادَةِ، وَيَخْتَلِفُ أَجْرُ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِشِدَّةِ الْمَشَاقِّ وَخِفَّتِهَا.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُسْنَدًا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْت فَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي مِنْهُ ثُمَّ الْحَقِينَا عِنْدَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ: غَدًا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِك أَوْ قَالَ نَفَقَتِك» . قُلْت: هَذَا مَشْكُوكٌ فِيهِ هَلْ قَالَ قَدْرُ نَصَبِك أَوْ قَالَ قَدْرُ نَفَقَتِك؟ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ قَوْلَهُ: عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِك فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُنْفَقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ قَوْلَهُ: عَلَى قَدْرِ نَصَبِك فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى قَدْرِ تَحَمُّلِ نَصَبِك لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: بِعَيْنِي مَا يَتَحَمَّلُ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِي. وَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ وَمَصَادِرِهِ أَنَّ مَطْلُوبَ الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلَيْسَتْ الْمَشَقَّةُ مَصْلَحَةً. بَلْ الْأَمْرُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ الْمَشَقَّةَ بِمَثَابَةِ أَمْرِ الطَّبِيبِ الْمَرِيضَ بِاسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ الْمُرِّ الْبَشِعِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ غَرَضُهُ إلَّا الشِّفَاءَ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ كَانَ غَرَضُ الطَّبِيبِ أَنْ يُوجِدَهُ مَشَقَّةُ أَلَمِ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ، لَمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِيمَنْ يَقْصِدُ الْإِصْلَاحَ.
وَكَذَلِكَ الْوَالِدُ يَقْطَعُ مِنْ وَلَدِهِ الْيَدَ الْمُتَآكِلَةَ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ لَيْسَ غَرَضُهُ إيجَادَهُ أَلَمَ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ حِفْظُ مُهْجَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُتَوَجِّعًا مُتَأَلِّمًا لِقَطْعِ يَدِهِ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا حَكَاهُ «عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: وَمَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ

اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست