responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 178
تَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ، وَالنَّسْجِ وَالْغَزْلِ، وَالصَّنَائِعِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا بَقَاءُ الْعَالَمِ، وَدَفْعِ مَا يَجِبُ دَفْعُهُ وَقَطْعِ مَا يَجِبُ قَطْعُهُ، فَهَذَا لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. فَكَمْ مِنْ مُقِيمٍ لِصُوَرِ الطَّاعَاتِ وَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الْعِصْيَانِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ طَاعَةَ الدَّيَّانِ، فَحِينَئِذٍ يُثَابُ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَ الْإِنْسَانُ الْقُرْبَةَ بِوَسِيلَةٍ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ لَا يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ، كَمَنْ قَصَدَ نَوْمَ بَعْضِ اللَّيْلِ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِيَامِ بَقِيَّتِهِ، وَكَمَنْ قَصَدَ الْأَكْلَ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لَعُوقِبَ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ وَطْءَ جَارِيَةٍ أَوْ أَكْلَ طَعَامٍ يَظُنُّهُمَا لِغَيْرِهِ، فَوَطِئَ وَأَكَلَ مَعَ كَوْنِهِمَا مِلْكًا لَهُ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ.

[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]
(قَاعِدَةٌ) فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ الْجَوَابِرُ مَشْرُوعَةٌ لِجَلْبِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَالزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْجَوَابِرِ جَبْرُ مَا فَاتَ مِنْ مَصَالِحِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَبْرُ آثِمًا، وَكَذَلِكَ شُرِعَ الْجَبْرُ مَعَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ، بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى عَاصٍ زَجْرًا لَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ تَجِبُ الزَّوَاجِرُ دَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَلَا عُدْوَانٍ، كَمَا فِي حَدِّ الْحَنَفِيِّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَرِيَاضَةِ الْبَهَائِمِ، وَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ أَمْ جَوَابِرُ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا زَوَاجِرَ عَنْ الْعِصْيَانِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْوَالِ وَتَحْمِيلَ الْمَشَاقِّ رَادِعٌ زَاجِرٌ عَنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّاتِ، وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَاجِرًا، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرُبَاتٍ

اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 178
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست