responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 16
لَا يَبْقَى لِأَهْلِهَا إلَّا مَحْضُ الْعُلُومِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ نَعِيمُهُمْ وَسُرُورُهُمْ وَفَرَحُهُمْ وَحُبُورُهُمْ، أَمْ يَبْقَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا؟ وَلَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ، وَإِنَّمَا نَفْعُ الطَّاعَاتِ لِأَرْبَابِهَا وَسُوءُ الْمُخَالَفَاتِ لِأَصْحَابِهَا.

وَالْقُلُوبُ مَعَادِنُ الْخَوَاطِرِ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالْعُزُومِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْبُغْضِ وَالْحُبِّ وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْإِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأَقْوَالِ، وَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانُ الْحَسَنِ وَاسْتِقْبَاحُ الْقَبِيحِ، وَكَذَلِكَ الظُّنُونُ الصَّادِقَةُ وَالْكَاذِبَةُ، وَقَدْ قُسِمَ لِكُلِّ قَلْبٍ مِنْ ذَلِكَ مَا سَبَقَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَاَللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، أَسْعَدَ مَنْ أَسْعَدَ بِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَأَشْقَى مَنْ أَشْقَى بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِمَّا حُقَّ وَكُتِبَ، وَأَيْنَ الْمَهْرَبُ مِمَّا حُتِمَ وَوَجَبَ؟ فَمِثْلُ الْقَلْبِ كَمِثْلِ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ الْمِيَاهُ عَلَى الدَّوَامِ، فَكَذَلِكَ الْخَوَاطِرُ فِي وُرُودِهَا عَلَى قُلُوبِ الْأَنَامِ لَا يَذْهَبُ خَاطِرُنَا بِهِ وَلَا مَا ابْتَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْعُزُومِ وَالْأَحْوَالِ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ إلَّا رَدَّهُ خَاطِرٌ إمَّا مِنْ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ ثُمَّ الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ مِنْهَا مَا يَنْفَعُ، وَمِنْهَا مَا يَضُرُّ، وَمِنْهَا مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَكَذَلِكَ الْخَوَاطِرُ الْجَارِيَةُ فِي الْقُلُوبِ وَالْوَارِدَةُ عَلَيْهَا مِنْهَا مَا يَنْفَعُ وَمِنْهَا مَا يَضُرُّ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَالْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَلِكَ مُكَلَّفٌ بِاجْتِنَابِ الْعُزُومِ عَلَى الْمَفَاسِدِ وَوَسَائِلِهَا، وَبِالْقُصُودِ إلَى الْمَصَالِحِ وَأَسْبَابِهَا وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ وُرُودِ الْخَوَاطِرِ، وَلَا بِوُرُودِ الْخَوَاطِرِ وَلَا بِمَيْلِ الطَّبْعِ إلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْخَوَاطِرُ، وَلَا بِنُفُورِهِ عَمَّا أَتَتْ بِهِ الْخَوَاطِرُ.
وَالْخَوَاطِرُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ غَيْرِ اكْتِسَابٍ كَوُرُودِ الْمِيَاهِ عَلَى الْأَنْهَارِ.

اسم الکتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام المؤلف : ابن عبد السلام    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست