responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح المعتمد في أصول الفقه المؤلف : محمد الحبش    الجزء : 1  صفحة : 94
/متن المنظومة/
والثانِ ما جَعَلَهُ مُباحاً ... مع قيامِ سَبَبٍ صُراحاً
معَ التَّراخي موجبٌ لحكمِهِ ... كالفِطْر في سفرِهِ في يومِهِ
فها هُنا العزيمةُ المُفَضَّلَهْ ... إلاَّ إذا عمَّا يُهِمُّ أشْغَلَهْ
والثالثُ المَنْسُوخُ مِنْ شرعِ الألى ... فهو مجازاً رخصةٌ قَدْ جُعِلا
ولا يجوزُ فِعْلُها تشْرِيعَاً ... فكُنْ لما أذكُرهُ سَمِيْعَاً
واعتبَرَ الأحنافُ حكْمَ القَصْرِ ... مجازَ رخصةٍ فذاكَ فانْظُرِ
ولا يجوزُ عندَهُمْ أَنْ تُكْمِلا ... فالرُّخْصَةُ التي بها تَنَزَّلا
-534-535-536- الثاني من أنواع الرخصة هو الرخصة التي تجعل الفعل في حكم المباح خلال فترة العذر الطارئ، ولكن الحكم باقٍ متراخٍ لحين زوال العذر، كالإفطار في السفر، فقد شرع الإفطار للعذر مع بقاء الحكم وهو الصيام مؤجلاً لحين زوال العذر، وفي هذه الحالة فالعزيمة أفضل إلا إن كان ينال المكلف بها حرج أو ضيق.
-537-538- النوع الثالث من أنواع الرخصة: ما جاء رافعاً لمشقة كانت حكماً مقرراً في شريعة سابقة، كنسخ قص موضع النجاسة كما كان مشروعاً لدى بني إسرائيل، وهذه تسمى رخصة مجازاً، ولا يجوز الأخذ بالأصل المنسوخ لأنه ليس من شريعتنا.
-539-540- أضاف الحنفية نوعاً رابعاً للرخصة وهو: ما سقط عن العباد بإخراج سببه، ومثَّلوا لذلك بقصر الصلاة للمسافر، فالعزيمة عندهم هنا لا يجوز فعلها وهي إتمام الصلاة في السفر، لأن الرخصة هنا حكم مبتدئ ثبت بالنص بعد زوال السبب الموجب للإتمام وهو الإقامة.
ويطلق الحنفية عليها تخلصاً: رخصة إسقاط.

/متن المنظومة/
والثالثُ النَّاسخُ للَّذي سَبَقْ ... فالنَّاسِخُ العزمُ..على هذا اتَفَق
رابِعُها استثني مِمَّا قَدْ حُكِمْ ... كقولِهِ لدى الزَّواجِ ما عُلِمْ
(والمحصناتُ مِنَ نِساءٍ إلاَّ ... ما ملكَتْ أيمانُكم) أَحَلاَّ
والرُّخْصةُ الحكْمُ الذي أثبتَّهُ ... خلاف أصلٍ لدليلٍ سُقْتَهُ
سبَّبَهُ عذرٌ مبيحٌ كالَّذي ... أتاهُ عمَّارُ بنُ ياسِرَ فذِيْ
وتشَملُ الأحكامَ كُلَّها سِوَىْ ... حكمَ المحرَّماتِ فاترُكِ الهَوَىْ
-521 الثالث: الحكم الناسخ لحكم سابق، فهو لم ينزل ابتداء، ومع ذلك فهو عزيمة.
-522-523- الرابع: الاستثناء الوارد في حكم سابق، كما في قوله سبحانه: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ... والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} النساء 23 فإباحة التزوج بما ملكت أيمانكم عزيمة، وإن تكن لم تنزل ابتداء.
-524-525- تعريف الرخصة: (الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر) .
وأورد الناظم مثالاً لذلك حديث عمار بن ياسر، حيث عذبه المشركون، فلم يكفوا عنه حتى نال من النبي - صلى الله عليه وسلم -وذكر آلهتهم بخير، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -مذعوراً فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مالك؟» قال: هلكت يا رسول الله، ما تركني المشركون حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كيف تجد قلبك؟» قال: أجده مطمئناً يا رسول الله. قال: «فإن عادوا فعد..»
-526- وتدخل الرخصة في سائر الأحكام التكليفية سوى الحرام، فتدخل في الواجب والمندوب والمباح والمكروه.

/متن المنظومة/
أمَّا الذينَ أخَذُوا بِالرُّخْصَةِ ... فَذَلَّلُوا مثلَهُمُ بخمْسَةِ
فالظَنُّ كالقَطْعِ لدى الأَحكامِ ... في شرعةِ القرآنِ والإِسْلامِ
وإنَّما يُقَدَّمُ المُخَصَّصُ ... على العمومِ هكذا قد نصَّصُوا
وأَنَّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ فيهِ نَصْ ... وربُّنا يُحِبُّ أَنْ تُؤتَى الرُّخَصْ
وأنَّ قصدَهُ بِها التخفيفُ ... فاعمَلْ لما يقصدُهُ اللَّطيف
-548-549- واستدل الذين فضلوا الرخص بخمسة أمور:
-1 إن الرخصة ثابتة بالشرع أيضاً كالعزيمة، وبدليل قطعي أيضاً، ولكن الدليل القطعي رتب سبب الرخصة على أمر مظنون، فلا معنى إذن للقول بأن العزيمة قطعية والرخصة ظنية.
-550- 2 إن المقرر لدى علماء الأصول أن الخاص مقدم على العام، والمقيد مقدم على المطلق، فالعزيمة مبنية على العموم، والرخصة مبنية على الخصوص.
-551- 3 إن الأدلة الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة في إقرار حكمة اليسر في الدين كثيرة، ومنها قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة 188، وكذلك قوله عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج، وكذلك قوله ص: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه»
-552- 4 إن من مقاصد الشارع الحكيم التخفيف عن العباد، قال تعالى: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الأعراف (157) ومن أجل ذلك نهى الإسلام عن التبتل.

/متن المنظومة/
واختلَفوا أَيُّهما يُفَضَّلُ ... والشَّاطبِي لَخَّصَ ما تَوَصَّلُوا
فقالَ فِيمَنْ رجَّحُوا العَزيمَةْ ... دليلُهُمْ حقاً عظيمُ القيمَةْ
فأَوَّلاً ثبوتُها بالقَطْعِ ... وتثبتُ الرخصةُ فيها فاسمَعِ
وثانياً عمومُها إِطلاقاً ... والرخصُ عارِضٌ بها اتِّفاقَاً
وأمرُهُ بالصَّبْرِ مثلُ أمرِهِ ... بِها كما النَّبِيُّ عندَ صَبْرِهِ
وأخذُها يَقضي على الذَّرَائِعِ ... وتَرْكُها يُفْضِي إلى التَّمَايُعِ
والأَصْلُ في الشَّرائِعِ التكليفُ ... لا الهونُ والإِسفافُ والتَّخْفيفُ
-541- اختلف الأصوليون في تفضيل الرخصة والعزيمة، وقد أجمل الشاطبي كلاً من المذهبين وأورد الأدلة عليه.
-542-543- أورد الشاطبي أولاً أدلة ترجيح العزيمة فقال:
-1 العزيمة ثابتة قطعاً وبسبب قطعي، أما الرخصة فإنها وإن ثبتت بدليل قطعي ولكن سببها مظنون غير منضبط وهو المشقة.
-544- 2 العزيمة حكم عام في الناس، والرخصة جواز طارئ، ولا شك أن الدخول في ما عليه الأمة خير من الانفراد بالأعذار.
-545- 3 إن الله عز وجل أمر بالصبر في تحمل التكاليف (فاصبر لحكم ربك) وأمره بالصبر على التكاليف بمثابة أمره بالعزائم دون الرخص.
-546- 4 إن الأخذ بالعزائم ضمانة حقيقية لسد الذرائع، بينما يؤدي تتبع الرخص إلى التهاون أحياناً في بعض شرائع الدين.
-547- 5 إن الأصل في الشريعة هو التكليف، وهو خلاف ما يهواه الإنسان غالباً من التهوين والتخفيف، والتكليف أقرب إلى العزيمة من الرخصة.

/متن المنظومة/
وتركُها يُودِي إلى السآمَةِ ... وفِعلُها الكفيلُ بالسَّلامةِ
وإِنَّما التَّرجيحُ مِثْلَمَا تَرَى ... فَقَدِّرِ الشِّقَةَ وارفَعِ المِرَاْ
-553- 5 إن المجاهدة المستمرة للنفس بقصد المداومة على العزائم تودي بالإنسان إلى الملل والسآمة، ولكن ترويض النفس على العزائم مع الأخذ بالرخص في المشقات هو الكفيل بالسلامة.
-554- والحق أن الأدلة متكافئة، وعلى المرء أن يكون فقيه نفسه، فالرخصة والعزيمة متناوبتان، وليس فيها حكم واحد، بل تقدر كل منهما بحسب ظروف المكلف واستعداده.

/متن المنظومة/
فالواجبُ الأكلُ لِمَنْ يُضْطَرُّ ... لميتةٍ بذاكَ قَد أقَرُّوا
والنَّدبُ كالقصرِ لمن يُسافِرُ ... ثمَّ المُباحُ والطبيبُ ناظِرُ
والرابعُ المكروهُ كالنُّطْقِ بِما ... يكْفُر فيهِ ظاهِراً إنْ أُرْغِما
وتُجْعَلُ الرُّخصةُ أنواعاً على ... أَرْبعةٍ فافهَمْ لما قد أُجْمِلا
أوَّلُها ما أسْقَطَ التكليفا ... عن العِبادِ ثُمَّ لَمْ يَحيفا
عنْ كونِه في أصلهِ محرَّما ... كالأكْلِ للميتَةِ إن تحتَّما
ورجَّحوا الأّخْذَ بها إلاَّ إذا ... أُرغِمَ أنْ يكفُرَ فليقْتَل إِذاً
-527- مثال الواجب في الرخصة الأكل من الميتة لمن يضطر، فهو واجب عليه، ولو أن جائعاً في برية لم يكن حوله إلا لحم ميتة فتركه حتى هلك، مات آثماً، لتركه الرخصة الواجبة.
-528- مثال المندوب في الرخصة قصر الصلاة للمسافر، وهو مذهب الشافعية، واختار الحنفية الوجوب في رخصة القصر.
مثال المباح في الرخصة نظر الطبيب إلى العورة فهي مأذون بها شرعاً ولكن على سبيل الإباحة لا الندب ولا الإيجاب.
-529- مثال المكروه في الرخصة النطق بكلمة الكفر حال الإكراه، فهي رخصة مأذون بها شرعاً، ولكن الأحب إلى الله الصبر على الإكراه، وعدم النطق بكلمة الكفر.
-530- والرخصة على أربعة أنواع
-531-532-533- الأول من أنواع الرخصة: ما سقطت فيها المؤاخذة عن العباد لأعذارهم مع بقائها حراماً في الأصل، كالأكل الميتة للمضطر، والنطق بكلمة الكفر للمكره.
وهذا النوع من الرخص يستحب الأخذ فيه واستثنوا منه حالة واحدة وهي حالة الإكراه على الكفر فقد تقرر أن الصبر أفضل.

/متن المنظومة/
في الأصلِ ما شرعَ للأنامِ ... جميعِهم بدءاً من الأحكامِ
فإنه عزيمةٌ مبيَّنَةْ ... وما سواه رخصَةٌ معيَّنَةْ
وطالما لم يطرأِ الترخيصُ ... عليه فهو الأصلُ والتنصيصُ
وفي العزيمة من الأنواعِ ... أربعةٌ تظهر باطِّلاعِ
فالأول الغالب وهو ما شُرِعْ ... من أول الأمر لكل متَّبِعْ
والثان ما شرع للطَّوارئِ ... كالنهيِ عن سبِّ أولي التناوءِ
-515 و 516 و 517- العزيمة والرخصة من أقسام الحكم الوضعي، وعلى هذا الرأي كبار الأصوليين كالغزاليِّ والآمديِّ والشاطبي.
وتعريف العزيمة: ما شرعه الله عز وجل ابتداء لعامة عباده من الأحكام.
وعرفها البعض: الحكم الثابت الذي خولف لعذر.
وعليه فإن الأصل في الأحكام العزائم، ثم قد يطرأ عليها ما يجعلها رخصة لعذر ما.
-518- ويدخل في العزيمة أربعة أنواع:
-519- الأول: ما شرع ابتداءً لصالح المكلفين عامة، وهو يشمل غالب الأحكام الشرعية
-520- الثاني: ما شرعَ لطارئٍ ما، خلافاً للأصل، كالنهي عن سب الأوثان والمشركين في قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} سورة الأنعام-108-، وعبر الناظم عنهم بقوله: (أولي التناوء) أي العداوة. فها هنا حكم لم يشرع ابتداء، وإنما شرع لسبب طارئ، ولكنه لا يخرج عن كونه عزيمة.

اسم الکتاب : شرح المعتمد في أصول الفقه المؤلف : محمد الحبش    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست