اسم الکتاب : شرح المعتمد في أصول الفقه المؤلف : محمد الحبش الجزء : 1 صفحة : 106
السبب
والسَّبَبُ الوصفُ الجليُّ المنضبطْ ... دلَّ لَهُ دليلُ سمعِ واشتُرِطْ
لَدى الدليلِ كونُه معرِّفاً ... للحكمِ وهو حكمُ شرعيٍّ كَفَى
وحينَما يوجَدُ فالمسبَّبُ ... لا بُدَّ موجود كما قد هذبوا
وحيثما يُعدَمُ فالمسبَّبُ ... لا بُدَّ مَعْدومٌ كما قَدْ كَتَبُوا
مثالُه أَنَّ الزِّنَا تَسَبَّبا ... في الحدِّ فالحدُّ به وجَبَا
أقسامُهُ من جهة الموضوعِ ... قسمانِ: فالوقتيُّ للجميعِ
مثالُهُ الظهرُ لدى الزوالِ ... ولصيام الشهرِ بالهلالِ
والمعنويْ مثالُهُ الإسكارُ ... سبَّبَ تحريماً كذا القمارُ
أقسامه من جهة المكلف ... قسمان فافهمها لدي تكتفي
أولها ملكْتَ فيه المقدرَةْ ... كالبيعِ والقتلِ فخُذْ للآخرَةْ
وربما يكون مأموراً بِهِ ... مثاله النكاحُ مأمورٌ بِهِ
وربما نهاكَ عنه الشارعُ ... كالسرقاتِ وكذاك القاطعُ
وربما يباحُ كالذبيحِ ... يحلُّ أكلُهُ على الصحيحِ
والثان ليس في يديك المقدرةْ ... مثل الزوال في الصلاة الحاضرةْ
وإنما الأسبابُ مقصوداتُ ... لغيرها.. أي المسبَّبَاتُ
والسببُ المشروعُ ما أدى إلى ... مصلحةٍ وإن يكن فيه بلا
مثاله الجهادُ في الفيافي ... فربَّما أدى إلى إتلافِ
وغير مشروع كما أدى إلى ... مفسدةٍ مثل تبنِّي من خلا
ويقسم السببُ في تأثيرِهِ ... في الحكمِ قسمين على تحريرِهِ
مؤثّرٌ وذاك يدعى العلَّةْ ... كالسكرِ في التحريمِ فهو العلَّةْ
وغير ما أثَّر وهو الذي ... كالوقتِ ليس علةً لحكمِ ذي
وباعتبار نوعِ ما تسبَّبا ... فإنه قسمان فامْح الريبا
أولها لحكم تكليف ظهَرْ ... مثاله الصوم إذا هلَّ القمَرْ
والثانِ للحلِّ أو الملكيّة ... كالعتقِ والبيعِ كذا الزوجيَّة
وباعتبار مصدر العلاقَةْ ... بينهما أقسامُهُ ثلاثَةْ
أولها الشرعي وهو ما زكى ... من حكم شرعٍ كالصلاة والزكَا
وبعدها العقليُّ وهو ما نَتَجْ ... عن حكمِ عقلٍ كالنقيضِ في المحَجْ
والثالث العادي وهو ما جرى ... عرفٌ به أو عادةٌ بلا مرا
ولازم عند وجود السببِ ... حتماً له الوجود للمسبَّبِ
ولازمٌ عند انعدام السببِ ... حتماً له الزوال للمسبَّبِ
الحرام
ما طلبَ الشَّارعُ تركَهُ على ... وجهٍ مِنَ الإلزامِ حِرمةً جَلا
وقيلَ ما يُذَمُّ شرعاً فاعِلُهْ ... وزيَد فيهِ ما يثابُ تارِكُهْ
ويثبتُ التحريمُ بالصريحِ ... كحرمةِ المَيْتِ عَدا المذْبُوحِ
وصيغَةُ النَّهْي (ولا تَجَسَّسُوا) ... وطلبُ اجتنابِه ك (اجتنِبُوا)
كذاكَ لفظُ لا يحلُّ فاعلمِ ... ك (لا يَحِلْ مالُ مرءٍ مُسلمِ)
كذاكَ ما ترتبَ العقابُ ... عليه، أي سيغضبُ الوهابُ
كغضبِ اللهِ ومقتِ اللهِ ... كذاكَ حربُ اللهِ لعنُ اللهِ
وحكمُه وجوبُ تركِهِ على ... مكلفٍ، فإنْ أتاهُ خُذِلا
وجعَلُوا ما حُرِّمَ ابتداءً ... محرماً لذاتِهِ سَواءً
مَعْ نفسِهِ أو غيِرِه محرَّماً ... كالخمرِ والميسرِ أو شَربِ الدِّمَا
وكل ما شُرِعَ ثمَ حرِما ... فاحكُمْ بهِ لغيرهِ مُحَرَّمَا
كالصَّوم يومَ العيدِ والصَّلاة ... بِكُلِّ مَغْصُوبٍ كذَا الزَّكاة
واختلفوا في حُكْمِ عَقْدِهم على ... محرَّمٍ لغيرِه، فقيلَ: لا
فرقَ، ففاسِدٌ وباطلٌ وذَا ... للشَّافِعي بهِ الجميعُ أَخَذَا
وفَصَّلَ الأحْنافُ هذي المسألَةْ ... فجُعِلَتْ فاسدةً لا باطِلَة
وغالبُ الحرامِ ما قد عُيِّنا ... كالخمرِ والقتلِ الحرامِ والزنا
وربما خُيِّر في تحريِمِهِ ... مثل طلاقِ البعضِ من حريمِهِ
كذاكَ في زواجِ الاختين معاً ... كذاك أمَّاً وابنةً أن يجمَعَا
وفي الوجوبِ يحرمُ النقيضُ ... وفي الحرامِ الواجبُ النقيضُ
المكروه
ما طلبَ الشارعُ تركَهُ بلا ... جزم فذا المكروهُ شرعاً جُعِلا
وقيلَ ما يمدحُ تاركٌ لَهُ ... ولا يُذَمُّ فاعلٌ يفعلُه
ويثبتُ المكروهُ بالتَّصريحِ ... كأبغضِ الحلالِ في التسريحِ
وكلُّ ما طُلِبَ مِنْكَ تركُهُ ... ودلَّ أنَّما المرادُ كُرْهُه
كالبيعٍ عند ساعة الصلاةٍ ... وكالسؤالٍ عن أمورٍ تأتي
ويستحقُّ التاركُ الثَّوابا ... وليسَ يلقى الفاعلُ العَذابَا
والحقُّ في المكروهِ أنَّهُ نُهي ... عن فعلِهِ فالتركُ مأمورٌ به
والحقُّ أن ليسَ بهِ تكليفُ ... والاسفراني قالَ: بلْ تَكليفُ
وفرَّقَ الأحنافُ في المكروه: ... ذي حرمةٍ منه وذي تنزيه
ما طلبَ الشارعُ جازماً لَهُ ... تركاً. وذا بالظنِّ.. تحريما فَهُو
مثاله لبسُ الحريرِ والذهب ... فذلك المكروهُ تحريما وجَبْ
وكل ما طلبَ تركَه بلا ... جزمٍ.. فذا المكروهُ تنزيهاً جَلا
والشافعية لهم تقسيمُ ... فحيث قد خصَّص ذا مفهومُ
وإن يكُ النهيُ بلا تخصيصِ ... خلاف أولى اجعلْه في التخصيص
المحكوم فيه
تعريفُهُ فعلُ المُكَلَّفِ الذي ... تعلَّقَ الخِطابُ فيهِ فاحتَذِيْ
فرُبَّما يجيءُ تكْلِيفيَّاً ... وتارةً تجدُهُ وَضْعِيَّاً
واشتَرطوا عِلْمَ المكلفينَ بِهْ ... مفصَّلاً فاعرفْهُ حقاً وانتَبِهْ
واشتَرَطُوا معرفَةً بِالمَصْدَرِ ... وما رَضوْا جهلاً بذاكَ فاحذَرِ
واشترطُوا اختيارَهُ في فِعْلِهِ ... وتركِهِ.. لا مُلزماً بفعلهِ
فلا يُكَلَّفُونَ مُستحيلاً ... لِفِعْلِهِ لَمْ يَجِدوا سَبيلاً
ولاَ يكلفُونَ فعلَ غيرِهِمْ ... وتَرْكِهِمْ فأمرُهُمْ لِرَبِّهِمْ
ولا يُكَلَّفُونَ ما قَدْ فُطِرُوا ... دفعاً وجَلْباً.. إذْ هُمُ لَنْ يقدِروا
وأوِّلِ الظاهِر حيثُ وَرَدَاْ ... لمختَفٍ لهُ الإلهُ قَصَدَاْ
وأكثرُ الأحنافِ يشرطونا ... حصولَ شرطِ الشرع موقنينا
فهل جرى التكليفُ للكفارِ ... بالفرعِ في الدين؟.. خلافٌ جارٍ
وكُلِّفوا مشقةً معتادَةْ ... يفعلُها جميعهم بالعادَةْ
ورخِّصَتْ شديدةُ المشقَّةْ ... فضلَ الإله عند بعد الشُّقَّةْ
وقسِّمَ المحكومُ فيه حيثما ... نظرْتَ ما هِيَّتَهُ فمنه ما
رأيته وُجِدَ حسّاً وانتفى ... شرعاً كأكلٍ أو كشربٍ أو شِفا
وربما سُبِّبَ حكمٌ شرعي ... منه كما الزنا بأي وضعِ
وربما بالحسِّ والشرعِ وُجِدْ ... مثالُهُ الحجُّ إذا ما قد قُصِدْ
وربما بالحسِّ والشرعِ وجِدْ ... ورتبت عليه أحكامٌ تَرِدْ
مثالُهُ النكاحُ والإقالَةْ ... والبيعُ والتمليكُ والحوالَةْ
وجملةُ الأحنافِ قسَّموهُ ... حَسَبَ ما يضافُ رتَّبوهُ
أربعة أولُها للهِ ... مخلَّص ومالَه تناهي
عبادةٌ ليسَ بها مؤونَةْ ... وبعدها التي بها مؤونَةْ
ثالثها مؤونَةٌ وفيها ... معنى عبادةٍ تحلُّ فيها
رابعُها مؤونةٌ وفيها ... معنى عقوبةٍ تحلُّ فيها
خامسُها عقوبةٌ محققَةْ ... سادسُها قاصرةٌ منمقَةْ
سابعُها تدورُ معنى فيها ... عبادةٌ عقوبةٌ تحويها
ثامنُها حقٌّ تمامٌ قائمُ ... بنفسِهِ مثالُهُ الغنائمُ
أولُها الصلاةُ في الإسلامِ ... وبعدها الفطرةُ في الصيامِ
والثالثُ العشرِ ونصفُ العشرِ ... والرابعُ الخراجُ.. فافهم فكري
والخامسُ الزنا وقطعُ الصائلِ ... سادسُها حرمانُ كلِّ قاتلِ
سابعُها الكفارةُ المفروضَةْ ... ثامنها الغنائمُ المقبوضَةْ
وقِسْمُها الثاني لعبدِ الله ... فأمرُه لَهُ بلا نواهي
يسقطُهُ إن شاءَ أو يأباهُ ... وإن يشأْ يتركُهُ فذا هو
والثالث اجتماعها وإنَّما ... يغلبُ حقُّ ربنا فليعلما
والرابع اجتماعُها وإنما ... يغلب حقُّهم بها فليعلما
فالثالثُ القذفُ وذاكَ يعلَمُ ... والرابعُ القصاصُ وهو يفهَمُ
المباح
وكل ما قد خُيِّرَ المكلفُ ... في الفعلِ والتركِ مباحاً يعرفُ
وقيلَ ما لا يمدحُ المفارقُ ... له، ولا يذمُّ من يجانفُ
وحيث ما نصَّ به صريحاً ... كافعل إذا شئت فقد أُبيحا
كذاك حيث قال لا جناحا ... ونحوه (لا إثم) قد أباحا
والأمر إن ترد به قرينَةْ ... تبيحه كالأكل أو كالزينَةْ
والأمر بعد حظرِهِ إن وَرَدا ... كالصيدِ بعد الحلِّ حيث قصدا
والنصُّ بالحلِّ صُراحاً مثلَما ... طعامُهم حلُّ لكم كذا الإِمَا
والأصل في الأشياء أن تباحا ... ما لم يرد نصٌّ بها صراحاً
وحكُمه لم يُطلبْ اجتنابُهْ ... منَّا ولم يَرِدْ كَذَا اقترابُهْ
وكلُّ ما قصدْتَهُ للهِ ... مِنَ المباحِ طاعةٌ للهِ
ولَمْ يكُنْ في الحقِّ مأموراً بهِ ... وخالف الكَعْبيُّ في ترتيبِهِ
أقسامه ثلاثة أولها ... لا ضر في إتيانها وتركها
كالأكلِ واللباسِ والثيابِ ... والصيدِ والصباغِ والشرابِ
والثانِ ما في أصله محرمُ ... وضرُّه محققٌ محتَّمُ
لكنه أُبيحَ للضرورَةْ ... وذاك في الأمثلةِ المشهورَةْ
والثالثُ المعفوُّ عنه دينا ... ما كان عند الجاهليِّ دينا
وربما تجتمعُ الأحكامُ ... في واحدٍ مثالُهُ الطعامُ
المصلحة المرسلة
ما طلبَ الشارعُ فعلَه بلا ... جزمِ فمندوباً تراه جُعلا
وقيلُ ما يحمَدُ فاعلٌ لَهُ ... ولا يُذَمُّ تارِكٌ أهمَلَهُ
ويستحقُّ الفاعِلُ الثَّوابَا ... وليسَ يلقَى التَّارِكُ العِقَابَا
ويَظْهَرْ المَنْدوبُ بالصَّريحِ ... كقولِهِ سَنَنْتُ في التَّرويحِ
كذاكَ في الطَّلَبِ غَيْر الجازم ... كآية الديون للتراحم
وحيثُ لا ترتيبَ للعِقَابِ ... في الحكمِ كالرُّخْصَةِ في الصَّوابِ
وكل ما طلبَهُ تحبيباً ... مبيِّنا لفَضْلِهِ تَرغيباً
واعتبِرَ المنْدوبُ مأموراً بِهِ ... لِلشَّافِعي وأحمدٍ وصَحْبِهِ
وذاكَ حيثُ طاعةً يَدعُونَهْ ... وأَنَّهُ في الدِّين يِطْلُبونَهْ
ودلَّلُوا بقسمةِ الأمرِ إلى ... نَدْبٍ وإيجابٍ بذا الأَمْرُ جَلا
واختلف الأحناف في ذي المسئلة ... وجعلوا الأمر مجازاً فادعُ له
لوكان مأمورا به لكانا ... تاركه معاقباً مهاناً
وعللوا بسنة السواك ... وكونه في (افعل) حقيق زاكي
والندب أنواع ثلاث توجدُ ... مؤكد.. وغيره.. وزائدُ
أولها فاعله يثابُ ... ولا ينال التاركَ العقابُ
لكنه معاتبٌ ملومُ ... كسنة الفجر.. وذا مفهومُ
والثانِ في إتيانه ثوابُ ... وليس في هجرانه عتابُ
وكلُّ ما قد كان فعل المصطفى ... ولم يشرَّعْ فهو برٌّ ووفا
يثابُ إن نوى به المتابعة ... كالنوم والمشي على المسارعة
ولم يكُ المندوبُ تكليفاً وما ... حكاه الاسفراني ليس ملزما
واختلفوا هَلْ يَلْزم الإتمامُ ... بعدَ الشُّروعِ فيه.. فالإِمامُ
الشَّافعيُّ قالَ لا ولا قَضَا ... لا إثْمَ في تركِ الذي نَدْباً مَضَى
وقالَ إنَّهُ أداءُ نافِلَهْ ... وليسَ إسقاطاً لواجبٍ فَمَهْ
وقالَ إنَّ الصَّوْمَ كالإِنفاقِ ... أَعِدْ إذا شَرَعْتَ بالإنفاقِ
كذاكَ نصُّهم أميرُ نفسِهِ ... إنْ شاءَ صامَ أو يَشَأْ فلينتَهِ
وحُجَّةُ الأحنافِ قولُ ربِّنا ... لا تبطِلُوا أعمالَكُمْ في شَرْعِنا
وإنَّما المندوبُ حَقُّ ربِّنا ... فلنلتَزِمْ قضاءَهُ إنْ فاتَنا
واَنَّهمْ قاسُوهُ بالمَنْدُورِ ... وذاكَ وهْنٌ واضِحُ الظُّهورِ
وظاهرٌ للأولينَ الغَلَبَةْ ... ونَصُّهم في البابِ أقْوى مَغْلَبَةْ
والنَّدبُ خادمٌ لما قَدْ وَجَبَا ... والندبُ بالكُلِّ وُجوباً صَحِبَا
الحكم الوضعي
تعريفه في اللغة الإيلادُ ... والتركُ والإسقاطُ إذ يرادُ
وهو اصطلاحا كلمات ربنا ... تعلقت بجعل شيء ما هنا
شرطاً لفعلٍ أوصحيحاً أو سببْ ... أو مانعاً أو فاسداً فليجتنِبْ
أو رخصةً في الشيء أو عزيمَةْ ... فسر على طريقتي القويمَةْ
ويقسم الوضعيُّ في ارتباطِهِ ... بحكمِ تكليفٍ لخمسة به
الشرطُ والسببُ والعزيمة ... أو رخصةٌ سميحة كريمة
والرابعُ المانعُ والصحيحُ ... أو فاسدٌ أو باطلٌ صريحُ
الشرط
والشرط ما الوقوف بالوجودِ ... للحكم شرعاً منه للوجودِ
وكان عنه خارجاً ويلزمُ ... من عدمِ الشرط لحكمٍ عدمُ
وإنه كالركن إلا أنهُ ... مختلفُ فافهمه وافهم فَنَّهُ
فالشرطُ جاءَ خارجَ الماهيَّةْ ... والركنُ جاءَ داخلَ الماهيَّةْ
ويلزمُ العدمُ من عدمِهِ ... كذلك السببُ في عدمِهِ
أما إذا وجدَ شرط لم يَجِبْ ... وجودُ حكم. فتعلَّمْ واستطِبْ
ويقسَمُ الشرطُ لدى ارتباطِهِ ... بسببٍ نوعين في احتياطِهِ
فحيث جاءَ مكملاً للسببِ ... فالحولُ مكملُ النصابِ فانجبِ
وقد يجيءُ مكملُ المسببِ ... كالستر مكملاً بلوغاً للصبي
وباعتبار جهة اشتراطِهِ ... نوعان. فالشرعي لارتباطِهِ
بالشارعِ العليِ كالأحكامِ ... وسائر الحدود والصيامِ
وبعده الجَعْليّ وهو ما اشتُرِطْ ... من المكلف الذي له اشتُرِطْ
كالمهرِ في تقديمِهِ في فعلِهِ ... والبيع في استلامه ونقلِهِ
وشرطه إن جاء أن يوافقا ... للشرعِ مثلَ البيع حيث أطلقا
وباعتبار نوع ما يربطه ... بكل مشروط ثلاث عَدُّه
أولها الشرعيُّ كالوضوءِ ... شرط الصلاة بعد ما طروءِ
وبعده العقليُّ من عقولنا ... نتاجُهُ كالفهمِ في تكليفنا
ثالثها العاديُّ وهو ما نَتَجْ ... عن عادة كالنارِ تكوي من وَلَجْ
فهل يُرى تكليفُهُ بالحكمِ ... مع فقده لشرطِهِ؟ خلفٌ نُمِيْ
مثاله هل خوطبَ الكفارُ ... بالفرعِ من تشريعِنا.. فاحتاروا
فقيل بالصحة للتكليفِ ... والشرط لم يحصل بلا تخفيفِ
قاسوه بالجنبِ في تكليفِهِ ... بكل فرضٍ.. ثم في تعنيفِهِ
في الذكر للكفار عند تركهم ... أمْرَ الصلاةِ رغم حالِ كفرهِمِ
وخالف الأحناف في اشتراطهم ... لسائر الكفار إيماناً لهم
وما رآه الأولون أرجحُ ... دليلهم منمّقٌ موضَّحُ
المانع
والمانعُ الوصفُ الجليُّ المنضبِطْ ... كالقتلِ في الميراثِ حيثُ يختلِطْ
ويلزمُ العدمُ من وجودِهِ ... أفتِ به لكلِّ مستفيدِهِ
ولم يجبْ من عدمٍ له عَدَمْ ... ولا وجودٌ.. فتعلم لا تُنَمْ
ويقسم المانع في تأثيرِهِ ... عليهما قسمين في تحريرِهِ
أولها لحكمة النقيضِ ... كالترك للصلاة في المحيضِ
فربما اجتمع بالتكليفِ ... مثل المثال السابق الظريفِ
وربما لم يجتمع به كما ... في النوم والجنون.. فابقَ مسلما
وربما ينقلبُ اللزومُ ... مخيَّراً.. مثالُهُ السقيمُ
والثان ما أخل حكمةَ السببْ ... فالدينُ في الزكاةِ أبطلَ السببْ
والحنفيُّ قسَّمَ الموانعا ... لخمسةٍ فكن لديَّ سامعا
ما يمنع انعقادَ أيِّ سببِ ... كبيعِ حرٍّ أو كإفتاءِ الصبي
والثانِ ما يمنعُ من تمامِهِ ... كبيعِ ذي الفضولِ غيرَ مالِهِ
ثالثها يمنعُ بدءَ الحكمِ ... مثلَ خيارِ الشرطِ للمسلَّمِ
رابعُها يمنعُ من تمامِهِ ... مثلَ خيارِ العينِ في إلمامِهِ
والخامسُ المانع من لزومِهِ ... مثل خيارِ العيبِ في لزومِهِ
الصحيح وغير الصحيح
وعرفوا الصحيحَ دونَ ريبَةْ ... ترتُّبُ الثمرةِ المطلوبَةْ
شرعاً عليهِ منه أي ترتبتْ ... آثارُهُ كامِلَةً وأوجبتْ
وغيره ما لم ترتَّبْ بعدَهُ ... آثارُهُ فافهمْ لهذا عنَدهُ
فما مضى يقال عنه الباطل ... لكلِّهم.. والحنفي قائل
يغايرُ الفسادُ بطلاناً، ولم ... يميزِ الجمهورُ في تعريفِهِمْ
الحكم التكليفي
وقد مضى تعريفُه وأنَّهُ ... أدَّى إلى التحريمِ أو ما يكرَهُ
والندبِ والإيجابِ والإباحَهْ ... والحنفيُّ قَسَّمَ الكراهَهْ
قسمين تنزيهاً وتحريماً رضي ... وزادَ حكماً سابعاً بالفرضِ
الواجب
ما طلبَ الشارِعُ فيهِ الفِعلَ مِن ... مُكلَّفٍ حتماً كصومٍ في زَمَنْ
أمَّا مِنَ الثَّوابِ والعقابِ ... فاعِلُهُ استَحَقَّ للثَّوابِ
ويَسْتَحِقُّ التَّاركُ العِقابا ... فافهَمْهُ كَيْ تُنَافِسَ الطُلاَّبَا
ويثبتُ الواجبُ بالخِطابِ ... ثمانِ أوْجُهٍ على أبْوَابِ
الأَمْرُ نحوَ الأَمْرِ بالصَّلاةِ ... إِقامَةً والأمْرُ بالزَّكاةِ
والمصدَّرُ النائِبُ عَنْ فعلٍ كما ... ضربَ الرِّقابِ إِنْ لقيتُمْ ظالِم
مضارع بلامِ أمرٍ يَقْتَرنْ ... مثالُه إنفاقُ ذي الوسعة مِنْ
سَعَتِهِ. كذاك باسم الفعل مَهْ ... كذا عليكُمْ وذا في الأمر لَهْ
خامِسُها التَّصريحُ بالأَمْرِ كما ... يأمركُمْ بأنْ تؤدُّوا الذِّممَاَ
وغيرُ ذاكَ مِنْ أساليبِ اللُّغَة ... كَ (كُتِب الصيامُ) ثُمَّ (الحَجُّ لَهْ)
وبعدَهُ التَّرتيبُ للعُقوبَةِ ... لتارِكِ الفعلِ كما الأُضْحيةِ
والثامِنُ التَّصرِيحُ بالإِيجابِ ... والفرضِ كالصِّيامِ في الصَّوابِ
وقسِّمَ الواجِبُ قسمينِ هُمَا ... مُؤَقَّتٌ ومُطْلَقٌ.. فَكُلُّ مَا
طلَبهُ محتماً معيناً ... لوقتِهِ مُؤَقَتٌ.. مثلُ مِنَى
وكلُّ ما طلَبَهُ وأَطْلَقَهْ ... فمطلَقٌ مثلُ النُّذُورِ المُطْلَقَةْ
فَحيثُما أدَّاهُ مطْلَقاً ولَوْ ... في غيرِ وقتِهِ قبولَهُ رَأَوْا
وجَعَلُوا المُؤَقَّتُ الذّي مَضَى ... ستَّةَ أنواعٍ لمن قد ارتضى
فأولٌ مؤقتٌ مضيَّقُ ... كَرَمَضَانَ كله مستغرَقُ
وبعدَهُ مُؤَقَّتٌ مُوَسَّعُ ... كالصلواتِ الخَمْسِ فهي تَسَعُ
والثالثُ المُؤَقَّتُ المشتبهُ ... لم يَتَّسِعْ فرضاً سِواهُ معهُ
والوقتُ ما استغرقَهُ جميعَهُ ... كالحجِ.. فانظُرْ ضيقَه ووسعَهُ
فهذه الثَّلاثُ في توقيتِهِ ... وخذ ثلاثاً من لدن تنفيذِهِ
فَفِعلُهُ في وقتِهِ المُقَدَّرِ ... شَرعاً له فهو الأداءُ..فاحْذَرِ
وشرطُه بأَنْ يكونَ أوَّلا ... والثان أن يعيدَه مستكملا
لنَقصِهِ في وقته، واسمُهُ ... إعادَةٌ.. فاذكرُهْ يَسْهُلْ فهمُهْ
والثالثُ القضاءُ وهو فعلُهُ ... مستدرَكاً وقد تمضَّى ظلُّهُ
وقُسِّمَ الواجِبُ في المِقْدارِ ... قسمانِ: محدودٌ كما الظِّهارُ
والثانِ لم يحدَّدِ البَشيرُ ... حداً لَهُ مثالُه التَّعْزيرُ
وقسَّمُوهُ باعتبارِ الفاعِلِ ... فالأَوَّلُ: العَيْنِيُّ.. لم يُساهِلِ
في فعلِهِ مِنْ خلقِهِ مُكلَّفَاً ... مثلُ الصِّيامِ والزَّكاةِ والوفَا
وواجِبُ الكفايَةِ الذِّي إذَا ... أتاهُ بعضُهم كفاهُمْ مِنْهُ ذَا
مثالُهُ رَدُّ السَّلامِ والجهادْ ... لكنَّه عينٌ إذا تُغَزَّى البلاَدُ
كَذَا إِذَا لم يُستَنَبْ سِوَاهُ ... عينٌ عليهِ ثابِتٌ أدَاهُ
وقسَّموهُ باعتبارِ ذَاتِهِ ... معيناً مخيراً في ذاتِهِ
فكلُّ ما طلبُهُ وعينَهْ ... معينٌ كردِّ غصبٍ كان لَهْ
ومنْهُ ما طلَبهُ وخَيرَّا ... فلَمْ يُعَيِّن عَينَهُ ويَسَّرا
كالحكمِ في كفارَةِ اليَمينِ ... كذاكَ في إطلاقِ أَسْرى الدينِ
وكُلُّ ما لَيْسَ يَتِمُّ الواجِبُ ... إِلاَّ بهِ فإنُّهُ لواجِبُ
الحاكم
والحاكِمُ الحقُّ هُوَ الإِلَهُ ... فاحكُمْ بِهِمْ كما أرادَ اللهُ
وربَّما يَظْهَرُ في القرآنِ ... أو في كلامِ السَّيِّدِ العَدْنَانِ
أو في اجتهادِ العُلماء بَعْدَهُ ... فكلُّهم يبيِّنونَ قَصْدَهُ
وجاءَ في قُرآنِنَا مُفصَّلاً ... أجْمَلَهُ الرَّحمنُ ثُمَّ فَصَّلاْ
وجائِزُ إطلاقُهُ أيضاً على ... مَنْ أظهرَ الأَحكامَ أو مَنْ فَصَّلاْ
فالحاكِمُ الفَصْلُ هُوَ التَّشْرِيْعُ ... وذاكَ بعدَ أَنْ أتَى الشَّفيعُ
واختَلفوا قبلَ مجيءِ المُصطَفى ... فقيلَ لا حاكِمَ مُطلقاً وَفَىْ
أمَّا الذينَ اعتَزَلوا فأكَّدُوا ... بأنَّهُ العقلُ كما قَدْ فندُوا
وسَبَبُ الخلافِ أمرُ الحُسْنِ ... والقبحِ في العقلِ فَدعْكَ مِنِّيْ
وهَل يحاسبُ أهالي الفَتْرةِ ... فيهِ خلافٌ هائِلٌ فأثْبِتِ
فالأشعريونَ نفوا تكليْفَهُمْ ... فَهُمْ سواءٌ محسنٌ مسيئُهُمْ
والحُسْنُ والقبحُ مِنَ الشَّرْع عُرِفْ ... وليس بالعقلِ كما بِذَا وُصِفْ
وخالَفَ الجماعة المُعتزلَةْ ... ونُقِلَتْ مِنْهُمْ إِلينا المَسْأَلَةْ
فأوجَبوا تكليفَ كُلِّ عاقِلِ ... حتماً ولَوْ لَمْ يأتهِمْ مِنْ مُرْسَلِ
والحُسن والقبحُ مِنَ العَقْلِ عُرِفْ ... فالشَّرعُ تابعٌ لَهُ ومكتَشِفْ
والماتريديونَ جَاؤوا في الوَسَطْ ... فأوجَبُوا معرفَةَ اللهِ فَقَطْ
وما سوى ذاكَ مِنَ التكليفِ ... نَفَوْهُ عَنْهُمْ.. رحمةَ اللَّطيفِ
وليسَ حُسْنُ الفِعْلِ مارآهُ ... عَقْلٌ.. ولَكِنْ ما أرادَ اللهُ
وهكذَا فكُلُّهمْ قَدْ أَجْمَعُوا ... تكليفَ مَنْ تبلُغُهُ ويَسْمَعُ
واختلفوا في كُلِّ مَنْ لم تَتَّصِلْ ... بهم، نجاةً أَوْ هلاكاً مُتَّصِلْ
كذاكَ إِنَّ العقلَ هَلْ يعتَبَرُ ... مِنْ أُسُسِ التَّشْريعِ أَصْلاً؟.. نظروا
جعلَهُ كذلِكَ المُعْتَزِلَةْ ... رَفضَهُ أهلُ النُّهى والمَسْأَلَةْ
القياس
وعرَّفوا القياسَ اصْطلاحاً ... فاحفظْهُ عني تبلغِ النَّجَاحَاْ
فرعٌ يساوِي أصلَهُ في العِلَّة ... أي حكمهِ، فالحكمُ فيهِ مِثْلَهْ
أركانُهُ أربعَةُ في العَقْلِ ... أصلٌ وفرعٌ ثم حكمُ الأصلِ
رابعُها العِلَّةُ في الإطارِ ... مثالُهُ النَبيذُ في الإسكارِ
دليلُه من الكتاب قولُهُ ... فاعتبروا.. عن شافعيٍ نقلُهُ
وخُذْ مِنَ السُّنَّةِ قولَ ابنِ جَبَلْ ... كذا النبيُّ حيَن قاسَ في القُبَلْ
وغيرها عَنْ مائَةٍ تَزيدُ ... مثالُ ذاكَ الأسودُ الوَليدُ
وثبتَ القِياسُ بالإجماعِ ... فعَلَهُ الصِّديقُ للأتباعِ
وحكمه يفيد ظنَّ الحكْمِ ... فاحكُمْ بِهِ ولا تَخُضْ بالوهمِ
المحكوم عليه
تعريفه الشخصُ الذي تعلَّقَا ... خطابُ ربِّنا به محقَّقَا
واشترطوا في صحةِ التكليفِ ... شرطين فافهمْهُ ودَعْ تعنيفي
فالشرط أن يكون قادراً على ... فهم الدليل واضحاً أو مجملا
وأن يكون عاقلاً وفاهماً ... أي بالغاً أو خمسَ عشرٍ تمما
وزاد في السنِّ أبو حنيفَةْ ... ثلاثةً من بعدها تخفيفَا
ولا تكلِّفْ من به جنونُ ... وخُذْ فروعاً بعد ذا تكونُ
فكل من تصوَّرَ الخطابا ... لو كافراً مكلفٌ صوابا
وحيثما توجه الخطابُ ... إلى الصبيْ فالأصلُ والصوابُ
بأنه من الوليِّ يطلَبُ ... ومثلُهُ المجنونُ وهو المذهبُ
ولا يكلف الأعجام قبل أنْ ... يترجموه أو تصلهم المننْ
وشرطُهُ الثاني بأنْ يكُونَا ... أهلاً لما كلَّفَهُ يَقينَا
والأهلُ منْ يصلُحُ للإلزَامِ ... وصالحٌ أيضاً لِلالْتزامِ
وتقسم الأهليةُ اثنتانِ ... وجوبٌ أو أداءُ في البيانِ
وربما تكونُ في الوجوبِ ... ناقصةً كالطفلِ في النحيبِ
فتثبتُ الحقوقُ لَهْ ولا يَجِبْ ... عليه واجبٌ وأمرٌ مُطَّلِبْ
وتكمل الأهلية النقيصَةْ ... إذا أتى طفلا بلا نقيصَةْ
وتقسمُ الأداءُ أقساماً إلى ... ثلاثةٍ فخُذْ بياناً مجملا
عديمةٍ في الطفلِ حتى ميَّزا ... ومثلُهُ المجنونُ دوماً أُحرِزا
وناقصٌ في كلِّ معتوهٍ وفي ... كلِّ مميِّزٍ إلى أن يكتفي
وكامل الأهلية الذي بَلَغْ ... وكان عاقلاً فإنه بَزَغْ
وربما يعرِضُ للأهليَّةْ ... أمر يزيلها بلا بقيَّةْ
كالنومِ والجنونِ والإغماءِ ... كذلك الإكراهُ في البلاءِ
وربما أنقصَها مثلُ العَتَهْ ... فاقبلْه إن نفَعَهُ وزادَ لَهْ
وربما غيرَ بعضَ الحكمِ ... كَسَفَهٍ وغفلَةٍ ومَغرَمِ
خاتمة
وهكذا قد تمتِ المنظومَةْ ... نظمتُها واضحةً مفهومَةْ
أرجو بها الثوابَ والغفرانَا ... والعفوَ والإكرامَ والإحسانَا
وأرفع الشكرَ الجميلَ والثنا ... لكل من أنارَ دربَنا لنا
أولهم أستاذي المربي ... أنار لي دربي وأحيا قلبي
إمامُنا وشيخُنا كفتارو ... وصحبهُ الأفاضلُ الأبرارُ
كذاك للمؤصِّلِ الأصيلِ ... أستاذِنا محمد الزحيلي
جزاهم الرحمن خير ما جزى ... شيخاً به اقتدى المريد واحتذى
والحمد لله على التمامِ ... في البدء والموضوع والختامِ
العزيمة والرخصة
في الأصلِ ما شرعَ للأنامِ ... جميعِهم بدءاً من الأحكامِ
فإنه عزيمةٌ مبيَّنَةْ ... وما سواه رخصَةٌ معيَّنَةْ
وطالما لم يطرأِ الترخيصُ ... عليه فهو الأصلُ والتنصيصُ
وفي العزيمة من الأنواعِ ... أربعةٌ تظهر باطِّلاعِ
فالأول الغالب وهو ما شُرِعْ ... من أول الأمر لكل متَّبِعْ
والثان ما شرع للطَّوارئِ ... كالنهيِ عن سبِّ أولي التناوءِ
والثالثُ النَّاسخُ للَّذي سَبَقْ ... فالنَّاسِخُ العزمُ..على هذا اتَفَق
رابِعُها استثني مِمَّا قَدْ حُكِمْ ... كقولِهِ لدى الزَّواجِ ما عُلِمْ
(والمحصناتُ مِنَ نِساءٍ إلاَّ ... ما ملكَتْ أيمانُكم) أَحَلاَّ
والرُّخْصةُ الحكْمُ الذي أثبتَّهُ ... خلاف أصلٍ لدليلٍ سُقْتَهُ
سبَّبَهُ عذرٌ مبيحٌ كالَّذي ... أتاهُ عمَّارُ بنُ ياسِرَ فذِيْ
وتشَملُ الأحكامَ كُلَّها سِوَىْ ... حكمَ المحرَّماتِ فاترُكِ الهَوَىْ
فالواجبُ الأكلُ لِمَنْ يُضْطَرُّ ... لميتةٍ بذاكَ قَد أقَرُّوا
والنَّدبُ كالقصرِ لمن يُسافِرُ ... ثمَّ المُباحُ والطبيبُ ناظِرُ
والرابعُ المكروهُ كالنُّطْقِ بِما ... يكْفُر فيهِ ظاهِراً إنْ أُرْغِما
وتُجْعَلُ الرُّخصةُ أنواعاً على ... أَرْبعةٍ فافهَمْ لما قد أُجْمِلا
أوَّلُها ما أسْقَطَ التكليفا ... عن العِبادِ ثُمَّ لَمْ يَحيفا
عنْ كونِه في أصلهِ محرَّما ... كالأكْلِ للميتَةِ إن تحتَّما
ورجَّحوا الأّخْذَ بها إلاَّ إذا ... أُرغِمَ أنْ يكفُرَ فليقْتَل إِذاً
والثانِ ما جَعَلَهُ مُباحاً ... مع قيامِ سَبَبٍ صُراحاً
معَ التَّراخي موجبٌ لحكمِهِ ... كالفِطْر في سفرِهِ في يومِهِ
فها هُنا العزيمةُ المُفَضَّلَهْ ... إلاَّ إذا عمَّا يُهِمُّ أشْغَلَهْ
والثالثُ المَنْسُوخُ مِنْ شرعِ الألى ... فهو مجازاً رخصةٌ قَدْ جُعِلا
ولا يجوزُ فِعْلُها تشْرِيعَاً ... فكُنْ لما أذكُرهُ سَمِيْعَاً
واعتبَرَ الأحنافُ حكْمَ القَصْرِ ... مجازَ رخصةٍ فذاكَ فانْظُرِ
ولا يجوزُ عندَهُمْ أَنْ تُكْمِلا ... فالرُّخْصَةُ التي بها تَنَزَّلا
واختلَفوا أَيُّهما يُفَضَّلُ ... والشَّاطبِي لَخَّصَ ما تَوَصَّلُوا
فقالَ فِيمَنْ رجَّحُوا العَزيمَةْ ... دليلُهُمْ حقاً عظيمُ القيمَةْ
فأَوَّلاً ثبوتُها بالقَطْعِ ... وتثبتُ الرخصةُ فيها فاسمَعِ
وثانياً عمومُها إِطلاقاً ... والرخصُ عارِضٌ بها اتِّفاقَاً
وأمرُهُ بالصَّبْرِ مثلُ أمرِهِ ... بِها كما النَّبِيُّ عندَ صَبْرِهِ
وأخذُها يَقضي على الذَّرَائِعِ ... وتَرْكُها يُفْضِي إلى التَّمَايُعِ
والأَصْلُ في الشَّرائِعِ التكليفُ ... لا الهونُ والإِسفافُ والتَّخْفيفُ
أمَّا الذينَ أخَذُوا بِالرُّخْصَةِ ... فَذَلَّلُوا مثلَهُمُ بخمْسَةِ
فالظَنُّ كالقَطْعِ لدى الأَحكامِ ... في شرعةِ القرآنِ والإِسْلامِ
وإنَّما يُقَدَّمُ المُخَصَّصُ ... على العمومِ هكذا قد نصَّصُوا
وأَنَّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ فيهِ نَصْ ... وربُّنا يُحِبُّ أَنْ تُؤتَى الرُّخَصْ
وأنَّ قصدَهُ بِها التخفيفُ ... فاعمَلْ لما يقصدُهُ اللَّطيف
وتركُها يُودِي إلى السآمَةِ ... وفِعلُها الكفيلُ بالسَّلامةِ
وإِنَّما التَّرجيحُ مِثْلَمَا تَرَى ... فَقَدِّرِ الشِّقَةَ وارفَعِ المِرَاْ
الباب الأول: مصادر التشريع الإسلامي أولاً المصادر المتفق عليها
الكتاب
وأوَّلُ المصادرِ القُرآنُ ... كتابُ ربِّي المعجِزُ البيانُ
منزلاً على النَّبيِّ العرَبي ... ولفظَهُ وخطُّهُ بالعَربي
تواتراً.. كتبَ بالمصاحفِ ... وما سِواهُ في الصَّلاةِ مُنْتَفي
ولا تجوزُ في الأَصَحِ التَرْجَمَة ... والخلفُ قامَ في ثبوتِ البَسْمَلَة
وكلُّ مَا لم يتواتَر في السَّنَدْ ... آحادُهُ مشهورَهُ فلا تُعَدْ
والشرطُ في الإعجازِ ما سأبدي ... أولُّها أنْ يوجَدَ التَحدِّي
والثانِ أنْ تُهَيأ الدوافِعُ ... ثالثُها أنْ تنتفي الموانِعُ
وهذهِ بعضُ الوجوهِ فيهِ ... نظامُ لفظٍ ومعانٍ فيهِ
ثُمَّ انطباقُهُ على العِلْمِ الصحيحْ ... وأثرُ اللَّفْظِ البليغِ والفصيحْ
كذلكَ الإِخبارُ بالمستقبلِ ... وكلُّ ذاكَ واضحٌ ومُنْجَلي
أحكامُه ثلاثَةٌ لِمَنْ أَرادْ ... عمليةٌ خلقيةٌ ثُمَّ اعتقادْ
فَمِنْهُ ما أبانَهُ مفصلاً ... ومنهُ ما أبانَ مِنْهُ مجملاً
واستوعَبَتْ آياتُهُ العقائِدا ... والمجملاتِ وأَحالَتْ ماعدا
وبعضُهُ دلالَةٌ قَطْعِيَّةْ ... وبعضُهُ دلالةٌ ظَنِّيَة
واختلفَ الأسلوبُ في الإِلزامِ ... والندبِ والحلالِ والحرامِ
موضوع علم أصول الفقه
بحوثُه في خمسةٍ محصورَةْ ... مباحثُ الأَدِّلةِ المذكورَةْ
مباحثُ الترجيحِ والتَّعارُضِ ... وبحثُ الإجتهادِ فيه فانهضِ
ثمَّ بحوثُ الحكمِ أي في الشرعِ ... تخييرُه اقتضاؤُه والوضعيْ
والخامسُ اقتباسُ كُلِّ حكمِ ... مِنَ الدليلِ بطريقِ الفهمِ
فيبحثُ الفقيهُ فيما يَثْبتُ ... وعالِمُ الأصولِ فَهُوَ المُثْبَتِ
تاريخ أصول الفقه
مصادرُ التشريعِ في عهدِ الرسولْ ... كتابُ رَبِّي ثُمَّ سنَّةُ الرَّسولْ
وفي زمانِ الصَّحْبِ فالمصادرُ ... أَربعةٌ فيما رَوَوْا وذَاكَرُوا
الذكرُ فالحديثُ فالإجماعُ ... وبعدَهُ القياسُ قَدْ أَذَاعُوا
دليلُه قضا معاذِ بنِ جَبَلْ ... ثُمَّ الذَّي للأشعريِّ قَدْ وَصَلْ
مِنْ عمرٍ. والحدُّ عندُ سُكْرِهِ ... وعدَةُ الحامِلِ بعدَ قبرِهِ
وعندما استقرت الفتوحُ ... وكثُرَتْ لديهمُ الطروحُ
وظهرتْ نوازعُ الأهواءِ ... تضافَرتْ بواعثُ الأَحياءِ
فالرأيُ في العراقِ صارَ مدرسَةْ ... كذا الحديثُ في الحجازِ مَدْرسَة
تدوين علم الأصول
وكلُّهمْ قد كتبَ الفُصُولاَ ... في الفقهِ لم يدوِّنوا الأُصُولا
وكانَ في كُتُبهم مُبَعْثَرا ... لدى مسائلِ الفروعِ انتثرا
يذكرُ كلُّ واحدٍ دليلَهْ ... ومذهبَ استدلالهِ محيلَهْ
على الكتابِ أو على الحديثِ ... أو غيرِهِ بسعيهِ الحثيثِ
فسبَقَ الجميعَ فيهِ الشافعي ... وسِفرُه في البابِ خيرُ نافعِ
فأَوَّلُ المدوَّنِ الرِّسالَةْ ... كذا جماعُ العلمِ فيما قالَهْ
وبعدَهُ إبطالُ الاستحسَانِ ... ومُشكلُ الحديثِ في الميزانِ
وهذهِ الأَربَعُ مِنْ تأليفِه ... أَوَّلُ ما دوِّن في تصنيفِهِ
وسبَقَ الفقهُ الأُصُولَ في الزَّمَنْ ... فالفقهُ وزنٌ والأصولُ قد وَزَنْ
طرق التأليف في الأصول
طريقةُ الكلامِ أَن تُقررا ... مسائلاً مُدللاً مُحرراً
وبعدَها طريقةُ الفقيهِ ... سبكُ الأُصُولِ تبعاً تحكيهِ
وخُصَّتِ الأُولى بفكرِ الشَّافعي ... وخُصَّتِ الأحنافُ بالتَتَابُعِ
والآخرونَ لَهُمُ طريقَة ... تَجْمَعُ منهما على الحقيقة
أهمُّ ما قَدْ صَنَّفوا في الأُولى ... رسالةً، معتمداً، محصُولا
برهانُ، مستَصْفَى، كَذا الإحكامُ ... وبعدَهُ التقريبُ والإِلهامُ
وصنَّفوا على اصطلاحِ الفُقَها ... مِنْها أصولَ البزَدْويِّ والمُنتَهى
إليهِ.. مثلُ الكرخيِّ السَّرخَسيْ ... كَذلك الجَصَّاصُ نفسُ الملبسِ
كذلك التأسيسُ والمنارُ ... تنقيحُ، تمهيدُ، هم الأبرارُ
والآخرونَ صنَّفُوا كثيراً ... بديعَ، تنقيحاً، كذا التحريرا
جمعَ الجوامعِ.. مُسَلَّمَ الثُبُوتْ ... وشرحَه فواتحٌ للرَّحمُوتْ
وخالفَ الجميعَ فيهِ الشَّاطبيْ ... لهُ الموافقاتُ ذو المطالبِ
وظهرتْ طريقةُ المناهجِ ... ترتيبُها يمتازُ بالمبَاهِجِ
حكمة اختلاف الفقهاء
حِدْ عنْ كلامِ حاقدٍ مغرورِ ... وافهَمْ من اختلافِهِمْ تحريري
فالخلفُ في التَّشريعِ أَمْرٌ عادي ... كالنقدِ والقانونِ والأعدادِ
والخلفُ بينَهم على الفروعِ ... معَ الوفاقِ في سِوى الفُروعِ
وإِنْ جرَى الخلافُ في المَصَادِرِ ... فغالباً باللَّفْظِ والنَّوَادِر
وَخلفُهم مَنَحنا المرونَة ... ومدَّنا بثروةٍ ثمينة
وخلفُهم على الفروعِ توسِعَةْ ... لَوْ أَنَّهم ما اختلفوا لامتنعا
ولم يكن خلافُهم تَعصُّباً ... أو للهَوى أو يشتهونَ الرُّتَبَا
وانحصر الخلاف في المظنونِ ... كخبرِ الآحاد لا اليقيني
ومطلقاً لم يجرِ عهدَ المصطفى ... فالوحيُ والحديثُ فيهمُ قَدْ كفى
ورُبَّما حكمَ في رأيَيْنِ ... مختلفينِ ... جوَّزَ الوَجْهينِ
المصلحة المرسلة
وعرَّفوا المصالِحَ اصْطِلاحا ... ما لم يَرِدْ في حكمِها صُراحَاً
دليلُ شرعٍ في اعتبارِ حُكْمِها ... ولا على إلغائِها أَوْردِّها
كالجُندِ والديوانِ والسُّجُونِ ... والخُلْفُ في استقلالِها في الدَّينِ
فذهبَ الأحنافُ ثم الشافِعِيْ ... لنَبْذِها على مَقالٍ بارعِ
فالشَّرْعُ كلَّ أمرِنا قد راعى ... كتاباً أو حديثاً أو إجماعاً
والآخرانِ جَعَلاهُ أصْلاً ... يُبْنى عليهِ الحكمُ مُستَقِلاً
واشتَرطوا ثلاثةً شروطاً ... بغالبِ الأَ نام أَنْ تُحيطَا
كذاكَ أنْ تكونَ واقعَّيةْ ... ولم تعارَضْ حجةً شَرْعِيَّةْ
ثَمَّ لهَا أَربعةٌ دَواعِيْ ... درءُ الأَذَى والسدُّ للذَرائعِ
جلبُ مصالحٍ، تغُّيرُ الزَّمَنْ ... فافْهَمْ فأنْتَ في البلاغِ مُؤْتَمَنْ
مقاصد الشريعة
مقاصِدُ الشَّرْعِ هيَ النتائِجُ ... كذلكَ الغاياتُ والمباهِجُ
أَتَتْ بها الشريعةُ المطَهَّرَةْ ... وأَثبتَتْها في الفروعِ الظَّاهِرَةْ
وهِيَ التَّي سَعَتْ إلى تحقيقِها ... دوماً بكلِّ أمرِها ونهيها
فحققتْ مصالحَ العبادِ ... دُنيا وأخرى بهدىِ الرَّشاد
أَلا ترى إلى النُّصوصِ الوَاضِحَةْ ... كم عَلَّلَتْ وبَيَّنَتْ موضِّحَةْ
وظاهرٌ لعاقلٍ لبيبِ ... في الخلقِ والتشريعِ والتهذيبِ
لم يخلقِ الرحمنُ شيئاً باطلاً ... وجاء جُلُّ شرعِنا معلَّلا
ومَنْ وعى مقاصِدَ الشريعة ... فعلُمهُ كقلعةٍ منيعَة
فيدرِكُ الطَّالبُ سِرَّ الشَرْعِ ... كذا إطارَ حكمِهِ والفَرْعِ
وهو في الدِراسةِ المقارِنَة ... دليلُهُ المفيدُ في الموازَنة
وهدفُ الدَّعوةِ فِيها يَنْجلِي ... وذاكَ شأنُ المصلحيَن الكُمَّلِ
ويستنيرُ العُلما بها على ... معرفةِ الأحكامِ مِما أُجْملا
ويستعينونَ بها في الفَهْمِ ... لغامضِ النُّصوصِ قبلَ الحُكَمْ
وأَنَّهُمْ بها يُحدِّدُونَا ... مدلولَها في اللَّفْظ والمَضْمُونَا
وحينَما تفتَقَدُ النُصُوصُ ... بهديها تَستَنْبَط الفُصُوصُ
وحينَما نحتاجُ للترجيحِ ... بها يرجحونَ في الصَّحيحِ
تقسيمُها بحسبِ المَصَالحِ ... ثلاثةٌ على المقالِ الواضِحِ
أَوَلُها ما سمِّيَ الضَروري ... ونُوِّعَتْ لخمسةٍ أمورِ
فحفظُهُ لدينهِم ونفسهِمْ ... وعَقْلِهِم وعرضهِم ومالِهِمْ
وبعدَهُ المصالحُ الحاجِيَّةْ ... بدفْعِ كُلِّ شقَّةٍ حَرِيَّة
ثالثُها ما سمِّيَ التحسِيني ... وهيَ الكمالُ لأُولي التبيينِ
ومنهجُ التَّشْريعِ في الرِّعايَة ... إِيجادُها والحفظُ والوِقايَةْ
فحَفِظَ الثلاثَة الأَقْسَامْا ... وزادَ فيها رابعاً تماماً
أتى بهِ مكَّملا محتاطاً ... كي لا يكونَ حفظُه اعتباطاً
ثُمَّ الضَّرُوريُّ مقَّدمٌ على ... سِواهُ كالحاجيِّ والذي تَلا
وقَدَّمُوا ما عمَّ في الأَحكامِ ... على الذي خصَّ مِنَ الأَنامِ
ورتَّبُوا أيضاً ذوَيْ الضرورة ... من حاجةٍ عُظمى ومِن خطيرة
فَقُدِّمَ الدينُ على الأَموالِ ... وهكذا النَفْسُ على التَوالي
الباب الثاني مباحث الأحكام
الحكم
وحدُّهُ في اللغة القضاءُ ... وأطلقوه فاروِ ما تشاءُ
إثباتُ أمرٍ ما لأمرٍ واحدُ ... ثم الذي عند القضاة واردُ
تعريفُهُ عنَد الأصوليينَا ... خطابُ رَبنا لنا مُبيْنَا
والفقهاءُ اعتبرُوه الأَثَرا ... عَنِ الخطابِ قَدْ جَلا وانْتَشَرَا
وقسَّمُوهُ مَصْدراً قسْمَينِ ... فالأوَّلُ الشَّرعِيُّ.. دونَ مَيْنِ
وذاكَ ما مِنَ الإلهِ أُخِذَاْ ... وعملاً أَو اِعتقاداً فهو ذا
وبعدَهُ كُلُّ الَّذي لَمْ يُؤْخَذِ ... من شارعِ الأَحكامِ كالحكم الذي
أُخذَ من عقلِ ومن حسّنٍ ومِنْ ... عرفٍ فذاك دون شرع قد زُكِنْ
والحكم حدُّهُ لدى الجمهورِ ... هو خطابُ ربنا الغفورِ
ومتعلقٌ بفعلنا اقتضَا ... تخييراً أو وَضْعاً وهَذا المُرْتَضَى
وقسَّموا الشرعيَّ من حكمٍ إلى ... قسمين فالتكليفي ما أدَّى إلى
حكمٍ من الخمسةِ في اقتضاءِ ... كذاك في التخييرِ كالنداءِ
وبعدَه الوضعيُّ وهو ما اقتضى ... أن يجعلَ الأمرَ لحكمٍ قد مضى
علامةً تجعلُه له سببْ ... أو مانعاً أو رخصةً أو يُجتنَبْ
لكونِهِ فاسداً او عزيمَةْ ... أو رخصةً أحكامها سليَمةْ
وزاد فيها الآمديُّ واحداً ... حكم المباح قال تخييراً بدا
السنة
والسُنَةُ الطريقَةُ المعتادَةْ ... قَدْ حدَّها قومٌ كرامٌ سادَة
وهِيَ اصطلاحاً ما أضيفَ للنَّبيْ ... قولاً وفعلاً.. ثم تقريرُ النَّبيْ
فالقولُ ما جاءَ مِنَ الكلامِ ... والفعلُ ما رأَوهُ كالسلامِ
وبعدَهُ التَّقريرُ وهو ما رَأَى ... مِنْ فعلِهم فما أَبَى ولا نَأى
واختلفَتْ في السنَّةِ الأقوالُ ... لِمَا مَضَى أهلُ الحديثِ مَالوا
وللأصوليينَ ما يثابُ ... بها.. وما لتاركٍ عِقَابُ
وأربَعٌ لم تُعتَبرْفي السُّنَّةْ ... ما كانَ قبلَ بعثةٍ ومِنَّة
والثانِ ما أتى على الجِبِلَّة ... وما استَقى.. كطِبِّه في العِلَّة
رابعُها ما خصَّهُ بالذَّاتِ ... من حالِهِ كعدِدِ الزَّوْجاتِ
وثَبَتَتْ حجيةُ السنَّةِ في ... ألفِ دليلٍ ودليلٍ فاعرفِ
أَوَّلُها إشارةُ القرآنِ ... في النَّحْل للنَّبِيِّ بالبَيَانِ
وبعدَها الأمرُ بطاعةِ الرَّسُولْ ... وإن تحبَّ الله فاتبعِ الرَّسُولْ
وردُّهم إليهِ في التنازُعِ ... وحذِّر المِنكِرَ بالرَّوادِعِ
وأَنَّهُ أوتي حكمةَ الهُدى ... محلِّلٌ محرِّمٌ.. لا عَنْ هَوَى
وقُرِنَتْ باللهِ فعلاً طاعَتُه ... وأَنَّه لذي اليقينِ أُسْوتُه
وليسَ مُؤْمِناً مِنْ لَمْ يحكِّمَهْ ... وما حباكَ خُذْ وما نهاكَ مَهْ
وَأُرْسِلُ الرَّسُولُ كَيْ يُطاعا ... لا خيرةً لمسلمٍ أطاعَا
وكلُّها في واضحِ القرآنِ ... مسطورةٌ تقصدُ للبيانِ
وهكذا قد أجمعَ الصحابةْ ... والتَزموا سؤالاً أو إِجابَةْ
ثُمَّ دليلهَا مِنَ المعقولِ ... ضرورةُ التبيينِ والتفصيلِ
وفعلُه كانَ البيانَ العَمَلِيْ ... لِكُلِّ ما في الذِّكْرِ مِنْ شَرعِ العلي
وعُصِمَتْ كعصمةِ القُرآنِ ... فعصمةُ المبينِ كالمُبَانِ
ودَلَّتِ الآثارُ بالوُجُوبِ ... وحَذَّرِ المُنْكِرَ باللَّهيبِ
وما أتى تواتراً في الواقعِ ... يفيدُ في العلمِ اليقيني القاطعِ
وأنَّهُ كالذِّكرِ في ثبوتهِ ... وكفَّروا الجاحدَ في ثُبُوتِهِ
والخبرَ المشهورَ زادَ الحنفي ... وفَسَّقوا جاحدَهُ إنْ لَمْ يَفِيْ
واتَّفَقوا بأنَّها تستلزِمُ ... عَمَلنا والاحتجاجُ ملزِم
وخبر الآحادِ خُذْ دليلا ... أَنْ تنذِرَ الطائفةُ القَبيلا
وربَّ حاملٍ إلى فقيهِ ... وبلِّغوا عنِّي كما نَرْويهِ
وانعقدَ الإجماعُ.. أَيْ لم ينكرِ ... فجزيةُ المجوسِ فعلُ عمرِ
كذلِكَ استدلَّ بالقياسِ ... في الحكمِ يكفي واحدٌ في النَّاسِ
والجرحُ والتعديلُ في التصويبِ ... رجِّحْ بِهَا الصِّدقَ على التكذيب
ونقلوا عن الخليفتينِ ... مع خبرِ الواحد شاهدينِ
وربما حلَّفَهُ لم تَطَّرِدْ ... عنهم طريقة لأخذٍ أو لِرَدّْ
وهذِهِ شَرَّطَها الأَحنَافُ ... أَنْ لا يُرى في فعلِهِ خلافُ
أو ليسَ مما حثتِ الدَّواعي ... أولم يُوافِقْ عملَ الأَتْبَاع
في الفقه والراوي بلا فقهٍ كما ... في خَبَرِ المصراةِ قد تَذمَّما
واشتَرطوا لمالكٍ بأَنَّ مَا ... خالفَ فعلَ يثربٍ لم يَسْلَما
والشافعيُّ أربعٌ شُروطُهُ ... في كلِّ راوٍ عقلهُ وضَبْطُهُ
وأَنْ يكونَ ثقة في دينهِ ... ولم يخالِفْ متنُهم لِمَتْنِهِ
وأحمدٌ شروطُه كالشَّافِعِيْ ... فصَّلْتُها على المقالِ الرائِعِ
وعملُ السُّنَّةِ في الكِتَابِ ... ثلاثَةٌ في الحقِّ والصَّوابِ
أَولُها التأكيدُ للقُرآنِ ... كالبرِّ والجهادِ والإِحسَانِ
والثانِ تبيينُ الذي قَدْ نُصَّا ... قيدَه فَسَّرهُ أَوْ خَصَّا
ثالثُها زيادَةٌ علَيْهِ ... كرجمِ محصنٍ وما إِليهِ
واختلفوا في نَسْخِها القُرآنا ... فالشَّافِعيُّ قالَ لا وبَانا
ونَسْخُها على مقالِ الجُلِّ ... دليلُهم وقوعُهُ بالفِعْلِ
الإجماع
هو اتفاقُ أهلِ الاجتهادِ ... من أمةِ النَّبي الإمامِ الهادي
في أَحدِ العصورِ والأزمانِ ... في حكمِ أمرٍ مّا.. بلا تَوانِيْ
دليلُهُ مِنَ الكتابِ نَهْيُهُ ... عنِ الشِّقاقِ، ثُمَّ فيهِ وَعْدُهُ
كذاكَ وصفُها بأنَّها الوَسَطْ ... وخيرُ أمةٍ فإنَّها فَقَطْ
وصَحَّ في الحديثِ حيثُ قالا ... ليسَ اجتماعُ أُمَّتي ضَلالاً
والزَمْ سوادَ المسلمينَ الأَعظما ... وحَسنٌ عندَ الإلهِ كُلُّ مَا
رآهُ جمعُ المسلمينَ حسَنَا ... نقلَها أصحابُ علمِ أُمَنَا
واحكُمْ بهِ عقلاً فجَمْعُهم إذا ... توافَقَتْ آراؤُهم فالحقُّ ذا
وركنُهُ اتفاقُهم جميعُهم ... بقولهِمْ وفاقاً أَوْ سُكوتِهم
ورَدَّ هذا الشَّافِعِيْ والظَّاهِرِيْ ... وكَمْ حكاهُ مِنْ إمامٍ ماهرِ
وعَدَّدوا شروطَهُ وبَعْضُها ... مُختَلَفُ فيهِ وهاكَ عَدُّها
أَوَّلُّها أَنْ ينتفي التَعارُضُ ... مع الكتابِ أو حديثٍ قد رَضُوا
والثانِ أَنْ يستندَ الإِجْماعُ ... إلى دليلِ واضحٍ أذَاعوا
وأَنْ ترى المجتهدينَ عَددا ... واتَّفَقوا جميعهُم لا ماعَدا
وأَنْ يكونَ مِنْ أمورِ الشَّارِعِ ... وقيلَ لا بَلْ كُلُّ أمرٍ نافعِ
وأَنْ يَمُرَّ عصرهُمْ جَميعاً ... فلا يعودَ واحدٌ رُجُوعاً
وبعضهُم نَفَوا.. وزادَ الحَنَفِيْ ... أَنَّ الخلافَ قبله قَدْ انتُفي
وحُكْمُهُ في الشَّرعِ حكمٌ قاطِعُ ... وحكمُهُ في الأَمرِ لا يُنَازَعُ
واختلَفُوا في حُجَّةِ السكوتيِ ... فالكَرْخِي والآمدِي لم يُثْبِتِ
ومالكٌ يحتج بالإجماعِ ... من أهلِ يثربٍ بلا نزاعِ
وقصرَ الإجماعَ أهلُ الظاهرِ ... على الصحابِ في مقالٍ جائرِ
واعتَبروا للعترة الإِجماعا ... والراشدينُ بَلْ لشيخينِ مَعَا
ثانياً المصادر المختلف فيها
الاستحسان
وحدُّه أن يعدلَ المجتهدُ ... عن مقتضى قياسِ أمر يردُ
مِنْ واضحٍ إلى قياسٍ مختفي ... أو حكمِ كليٍ لمستثنى خفي
وذاكَ من أجل دليلٍ يقدحُ ... في عقلِه عدولَه يرجِّحُ
وظاهر بأنَّه نوعانِ ... ترجيحٌ استثناءُ للبيانِ
فالأوَّلُ الترجيحُ كالحَلْفانِ ... والثان الاستثناءُ كالضمانِ
وذهبَ الأحنافُ والحنابلةْ ... إلى اعتباره دليلاً قابلَهْ
مِنَ الكتابِ: يتبعونَ الأَحْسَنا ... وما رآهُ المسلمونَ حَسَنا
وأكَّدوا تفضيلَ الاستحسانِ ... على القياسِ أي قياسِ الثاني
ومالكٌ والشافعيُّ قالا ... بنفيهِ وصَحَّحُا الإِبْطالا
الاستصحاب
هو اصطحابُ حكمِ أَمرٍ ماضِي ... لحاضِرٍ لم يقضِ فيهِ قاضِ
فيستمرُّ الحكم فيه قائماً ... إلى ثبوتِ غيرِه ملائماً
واعتَبَروه حُجَّةً إذا انفَرَدْ ... نَفْياً وإِثْباتاً بِلا أَخْذٍ وَرَدْ
مثالُهُ الحياةُ للمَفْقودِ ... وردَّه الأحنافُ بالقيودِ
أنواعه ثلاثةٌ في الأصلِ ... أولها اصطحابُ حكمِ الأصلِ
وبعدَه ما أصلُه البراءَةْ ... كالحكمِ للحقوقِ بالبراءَةْ
ثالثُها اصطحابُ حكمِ حالِهِ ... على ثبوتِهِ إلى زوالِهِ
واعتَبروا دَليلَه ظَنِّيَّا ... وآخِرَ الأَدِلَّةِ المحكيَّة
العرف
والعرفُ ما استقرَّ في النُّفُوسِ ... من جهةِ العقولِ لا الطُروسِ
ثُمَّ ارْتضَاه النَّاسُ بالقَبُولِ.. ... أنواعُه أربعةٌ..فالقولي
تعارفَ الناسُ على إطلاقِهِ ... كاللحمِ والشرابِ في إطلاقِهِ
والعَمَلي تَعارَفوا إِتْيَانَهْ ... كالأَكلِ أو كالمَهْرِ في أَوانِهْ
والعامُ ما يَعمُّ في البلادِ ... والخاص عرفُ ثلةٍ أفرادِ
واتَّفَقُوا في كونِه دليلاً ... واختلفوا هَلْ يَسْتَقِلُّ؟ ... قيلا
للمَالكِي والحَنَفِي والحَنبَلي ... خذهُ دليلاً كامِلاً.. وَدَلِّلِ
مِنَ الكتابِ أَمْرُهُ بالعُرْفِ ... وما رأَوْهُ حَسَناً فلتَعرِفِ
كذاكَ مالهُ مِنَ السُّلْطانِ ... في العقلِ عندَ معشَر الإِنْسَانِ
والشافعيْ مالَ إلى إنكارِهِ ... إلا إذا أرشدَ لاعتبارِهِ
واشترطوا عمومَهُ في الناسِ ... ولم يخالفُ ثابتاً للناسِ
قول الصحابي
واتَفَقوا في أنَّهُ دليلُ ... في كل ما ليسَ لَهُ سَبيْلُ
كذاك إن أقَّرهُ الباقونا ... يكون حجةً كما روينا
واختلَفُوا لدى اختلافِ رأيهِمْ ... فقيلَ يَنبغي التزامُنا بِهِمْ
بواحدٍ لمالكٍ والحَنَفِي ... لخبرِ النُّجومِ فِيهِمْ فاقتفي
وأحمدٌ والشَّافِعِيُّ خالَفَهْ ... عَنْ تابعينَ نَقَلُوا المُخالَفَة
شرع من قبلنا
واختلَفُوا في شرعةِ الذينا ... مِنْ قبلِنا ملغيةٌ أَمْ دينَا
فاتفقوا في الأخذِ بالأحكامِ ... مما أقرَّ الدينُ كالصِّيامِ
واتفقوا في نسخِ ما قد نُسِخا ... في شَرْعِنا. كالقطعِ مما اتَّسَخا
واختلَفُوا في حكمِ ما قَدْ وَردا ... ولم يُنْسَخْ ثُمَّ لَمْ يُؤيَّدا
كالنفس بالنفسِ وشُرْبِ محتضَرْ ... فالحنفيْ والحنبليْ والبعضُ قَرّ
ودلَّلوا بوحدةِ الشرائعِ ... والرجمِ واقتدهْ لكلِّ سامعِ
والشافعيُّ أنكرَ استِدلالَهُمْ ... بأَن لِكُلِّ أمةٍ مِنْهاجُهُمْ
سد الذرائع
وكلَّ ما ظاهِرُه مُباحُ ... وموصِلٌ لما بهِ جُنَاحُ
أباه سداً منْهُ لِلذَّرائِعِ ... مالكُ وابنُ حنبلٍ لا الشَّافِعِيْ
وأكَّدَا ذاكَ بمنعِ الشتمِ ... لِكُلِّ مَنْ يَعْدو بغيرِ عِلمِ
والشافعيُّ حرمَ الذريعة ... لذاتها أي حرَّمَ الوقيعة
أسباب اختلاف الفقهاء
وبعدَما أدركتَ حكمةَ الخِلافْ ... خذْ واضحاً أسبابَ ذاكَ الاختلافْ
فاختلفوا في واقعِ الجِبِّلَةْ ... إذ لم تقيدِ العقولَ الملّةْ
واختلفُوا في لغةِ القرآنِ ... كالقرءِ والنَّكاحِ في البَيَانِ
واختلفُوا في عَصْرِهم ومِصْرهم ... وحالِهم وبالِهم وعُرْفهِم
واختلفوا في الفَهمِ للمرادِ ... بالنَصِّ في سبيلِ الاجتهادِ
فهذهِ الأسبابُ لن تباشرَهْ ... وهاكُمُ أسبابَهُ المباشِرَةْ
أَوَّلُّها الخلافُ في المصَادِرِ ... مِنْ كلِّ ما أتى بلا تواتُرِ
وبعدَهُ الخلافُ في الحديثِ ... مصطلحاً كالجهلِ بالحديثِ
وعدم الثبوتِ عند واحدِ ... كذاكَ في شروطِ نقلِ الواحدِ
أو علمُهُ بواحدٍ منَ السَّنَدْ ... بضعفِه كذاكَ نسيانُ السَّنَدْ
ثَالثُها الخلافُ في القواعدِ ... كضابطِ الإيجابِ والتباعُدِ
والخلفُ في دلالةِ الألفاظ ... والعامِ والخاصِ مِنْ الأَلفاظِ
والخلفُ في قواعدِ التَّرْجيحِ ... والنسخِ والتخصيصِ والتَّصريحِ
كذاكَ ما شذَّ مِنَ الرِّوايَةْ ... ومرسلُ الحديثِ في الدِّرايَةْ
فخلفُهم لعللٍ وَجيهَةْ ... بَيَّنتُها فكُنْ بِهَا نَبيها
اسم الکتاب : شرح المعتمد في أصول الفقه المؤلف : محمد الحبش الجزء : 1 صفحة : 106