responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح التلويح على التوضيح المؤلف : التفتازاني    الجزء : 1  صفحة : 386
الْمُقَارِنَةَ لِلْأَدَاءِ لَمْ تُوجَدْ، وَهُوَ الشَّرْطُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا.
(إلَّا أَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا غَيْرُ عَيْنٍ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ تَعَدِّيًا فَيَكُونُ كَالْهَلَاكِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مَقْدُورٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا سَوَّى بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ إذَا اُسْتُهْلِكَ الْمَالُ كَمَا لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ تَعَدِّيًا، وَهُوَ فِي الزَّكَاةِ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، فَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ كُلَّهُ اسْتَهْلَكَ الْوَاجِبَ فَيَضْمَنُ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ بَقَاءَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ، وَإِلَّا انْقَلَبَ الْيُسْرُ عُسْرًا نَوْعُ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَمْرًا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ يُسْرٌ آخَرُ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمِلْكِ وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ لَيْسَ هُوَ الْإِغْنَاءَ الشَّرْعِيَّ بَلْ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ، وَيَدْفَعُ حَاجَةَ الْفَقِيرِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغِنَى الشَّرْعِيِّ فَلِذَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَجَعَلَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى تَوَقُّفِ أَهْلِيَّةِ إغْنَاءِ الْفَقِيرِ عَلَى الْغِنَى، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْإِغْنَاءَ بِصِفَةِ الْحُسْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغِنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْفَقِيرِ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِ الْفَقْرِ وَالْجَزَعُ عَلَى مَكَايِدِ الْحَاجَةِ فَلَا بُدَّ فِي أَهْلِيَّةِ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْجَزَعِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ» قُلْت إنْ جَعَلْت هَذَا الْحَدِيثَ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ، فَظَاهِرٌ إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ، وَبَيْنَ كَوْنِ صَدَقَةِ الْفَقِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّطَوُّعِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا أَشَقَّ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا، وَإِنْ جَعَلْتَهُ نَفْيًا لِلْفَضِيلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا يَكُونُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُ صَدَقَةِ الْغَنِيِّ عَلَى صَدَقَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْفَقْرِ، وَيَجْزَعُ لَدَى الْحَاجَةِ عَلَى مَا هُوَ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ، وَتَفْضِيلُ صَدَقَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي اُخْتُصَّ بِتَأْيِيدٍ وَتَوْفِيقٍ إلَهِيٍّ فِي الصَّبْرِ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ، وَإِيثَارِ مُرَادِ الْغَيْرِ عَلَى مُرَادِهِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ حَتَّى يَصْبِرَ عَلَى فَقْرِهِ، وَيَتَثَبَّتَ عَنْ التَّكَفُّفِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَا يَبْقَى لَهُ تَعَلُّقُ قَلْبٍ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ بِحَيْثُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِهِ بِالْمَنِّ، وَالِاسْتِكْثَارِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى التَّمَسُّكُ الْمَذْكُورُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لَهُ) أَيْ: لِلْغِنَى لِأَنَّهُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ فَقَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِالنِّصَابِ فَصَارَ الْغَنِيُّ مَنْ لَهُ النِّصَابُ، وَالْفَقِيرُ مَنْ لَا نِصَابَ لَهُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْفَقِيرِ الْمُقَابِلِ لِلْمِسْكِينِ بِمَعْنَى مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ: لِدَلَالَةِ التَّخْيِيرِ) يَعْنِي أَنَّ التَّخْيِيرَ

اسم الکتاب : شرح التلويح على التوضيح المؤلف : التفتازاني    الجزء : 1  صفحة : 386
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست