responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح التلويح على التوضيح المؤلف : التفتازاني    الجزء : 1  صفحة : 357
عَلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا مَعْدُومٍ فَالْحَالَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ لَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ كَالْإِيقَاعِ مَثَلًا، ثُمَّ هُوَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِطَرِيقِ التَّسَلْسُلِ أَوْ بِأَنَّ إيقَاعَ الْإِيقَاعِ عَيْنُ الْأَوَّلِ.
وَإِمَّا أَنْ لَا يَجِبَ لَكِنَّ الْفَاعِلَ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْإِيقَاعَ فَيُعَيِّنُ مَا قُلْنَا فِي الْإِيقَاعِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ إبْطَالُ دَلِيلِ الْجَبْرِ فَالْآنَ جِئْنَا إلَى إثْبَاتِ مَا هُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْجَبْرِ، وَالْقَدَرِ أَيْ مَا هُوَ حَاصِلٌ بِمَجْمُوعِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِعْلِ الْعَبْدِ فَنَقُولُ: التَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة، وَلَيْسَتْ التَّفْرِقَةُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِإِرَادَتِنَا؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ إنْ كَانَتْ صِفَةً بِهَا يُرَجِّحُ الْفَاعِلُ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَيُخَصِّصُ الْأَشْيَاءَ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْإِرَادَةِ لَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأُرِيدَ الثَّانِي أَيْ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ فَلَا جَبْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ فَاعِلِهِ لَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الرُّجْحَانُ بِلَا مُرَجِّحٍ بِمَعْنَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُوجِدٍ إذْ لَا وُجُودَ لِلْإِيقَاعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشِرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَاهُنَا إلَى بُطْلَانِ طَرِيقٍ مُتَسَلْسِلٍ، وَرُجْحَانِ طَرِيقِ عَدَمِ الْوُجُوبِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّالِثَةِ.
(قَوْلُهُ: فَالْآنَ جِئْنَا إلَى إثْبَاتِ مَا هُوَ الْحَقُّ) قَدْ، وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمَجُوسُ قَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَبْدَأُ الْخَيْرِ، وَالْآخَرُ مَبْدَأُ الشَّرِّ، وَهَذَا يُلَائِمُ الْقَوْلَ بِكَوْنِ خَالِقِ الشَّرِّ، وَالْقَبِيحِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيْضًا قَائِلُونَ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ شَيْئًا، ثُمَّ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ كَخَلْقِ إبْلِيسَ، وَهَذَا يُلَائِمُ الْقَوْلَ بِكَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى خَالِقًا لِلشُّرُورِ، وَالْقَبَائِحِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهَا فَبِهَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ يَنْسُبُ الْقَدَرَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى نَفْيِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَإِثْبَاتِ أَمْرٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ مَجْمُوعُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاخْتِيَارُ الْعَبْدِ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ لِيَكُونَ جَبْرًا، وَلَا الثَّانِي فَقَطْ لِيَكُونَ قَدَرًا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلَيْنِ: الْأَوَّلُ حَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْوِجْدَانِ أَنَّ لِلْعَبْدِ قَصْدًا، وَاخْتِيَارًا فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَصْدَ، وَالِاخْتِيَارَ لَا يَكْفِي فِي وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إذْ قَدْ لَا يَقَعُ مَعَ تَحَقُّقِ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ الَّتِي مِنْ الْعَبْدِ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الَّتِي مِنْ عِنْدِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ حَاصِلٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَقِيبَ إرَادَةِ الْعَبْدِ، وَقَصْدِهِ الْجَازِمِ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُهُ عَقِيبَ قَصْدِ الْعَبْدِ، وَلَا يَخْلُقُهُ بِدُونِهِ، وَبَاقِي الْكَلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ، وَتَوْضِيحٌ لَهَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: خَوَارِقُ الْعَادَاتِ، وَعَدَمُ وُقُوعِ الْمُرَادَاتِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي، وَسَلَامَةِ الْآلَاتِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْعَبْدِ هُوَ الْمُوجِدُ لِفِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ قُدْرَتَهُ، وَاخْتِيَارُهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِ الْفِعْلِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ شَيْئًا، وَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافَهُ يَقَعُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ لَا مُرَادُ الْعَبْدِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ تَأْثِيرِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ

اسم الکتاب : شرح التلويح على التوضيح المؤلف : التفتازاني    الجزء : 1  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست