ولقد قرر الشاطبي أن العام المستفاد من استقراء نصوص الشريعة يجري في قوة الاحتجاج به مجرى العام المستفاد من الصيغة، فيقول: "العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط ... ، بل من استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام، فيجري في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغة".
ومثل لذلك بقاعدة رفع الحرج في الدين فقال: "فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج كما إذا وجدنا التيمم قد شرع عند مشقة طلب الماء، والصلاة قاعداً عند مشقة طلب القيام، والقصر والفطر في السفر والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل والتأليم، وإباحة الميتة وغيرها عند خوف من التلف الذي هو أعظم المشقات، والصلاة إلى أي جهة عند تعسر إخراج القبلة، والمسح على الجبائر والخفين لمشقة النزع ولرفع الضرر، والعفو في الصيام عما يعسر الاحتراز عنه من المفطرات كغبار الطريق ونحوه، إلى جزئيات كثيرة جداً يحصل من مجموعها قصد الشارع لرفع الحرج".
فإذا تم للمجتهد هذا الاستقراء، فإنه يطبق هذا العموم الاستقرائي على كل ما تحقق فيه مناطه تماماً كما يفعل في العموم اللفظي.
ويقول الشاطبي بعد أن أثبت أن رفع الحرج مقصود للشارع: "فإنا نحكم بمطلق رفع الحرج في الأبواب كلها عملاً بالاستقراء، فكأنه عموم لفظي"[1].
والحاصل أن المصلحة في الوصف المرسل مصلحة دلت أصول الشريعة وقواعده العامة على اعتبارها، فهي مأخوذة من استقراء نصوص الشرع، وهي حجة، لأنه وإن لم تشهد لها نصوص معينة غير أنها شهدت لها أصول الشرع وقواعده العامة، والله تعالى أعلم. [1] انظر: الموافقات 3/299، ونظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 58-59.