الفصل الثالث في بيان أدلة مذهب الإمام مالك
تقدمت نسبة القول بالوصف المناسب المرسل مطلقاً لمالك رحمه الله، وأن ذلك اشتهر عند الأصوليين حتى كادوا يجمعون على أن فقه مالك يمتاز عن غيره بأنه فقه المصالح المرسلة، وامتياز الفقه المالكي عن غيره لم يكن في أصل الأخذ بهذا الدليل، وإنما هو في كثرة الأخذ به والرجوع إليه، وبناء الأحكام عليه، غير إنما نسب إليه من إطلاق عمله بالمصلحة المقتضى لعمله بالمصلحة الغربية التي يعد القول بها عملاً بالرأي وتشريعاً بالهوى، وقولاً بالتشهي غير صحيح[1].
ذلك أن مالكاً إنما اعتبر المصلحة التي ظهر اعتبار الشارع لها برجوعها إلى أصوله وقواعده العامة وشهدت لها نصوص الشرع في الجملة، وإن لم يشهد لها دليل معين، يدل لهذا ما ذكره الشاطبي رحمه الله فإنه قسم المناسب المرسل إلى: غريب، وملائم، وبين أن العلة في الغريب لا عهد بها في تصرفات الشارع بالفرض، ولا بملائمها بحيث يوجد لها جنس معتبر، قال: "وهذا لا يصح التعليل به، ولا بناء الأحكام عليه باتفاق.
وأما الثاني: فملائم لتصرفات الشرع، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في جملة، بغير دليل معين، وهو الاستدلال المرسل المسمى بالمصالح المرسلة"[2].
ثم وضحه بأمثلة بين أنها توضح الوجه العملي بالمصالح المرسلة، وأنها تبين اعتبار أمور ثلاثة:
1 - أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع، فلا تنافي أصلاً من أصوله، ولا تعارض دليلاً من أدلته القطعية، بل متفقة مع المصالح التي يقصد الشارع تحصيلها بأن تكون من جنسها ليست غريبة عنها، وإن لم يشهد لها دليل خاص. [1] انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 50. [2] انظر: الاعتصام 2/115.