الحقيقة والمجاز بيان لابد منه:
المستقرئ للجانب التاريخي لظهور المجاز يجد أن العرب لم يعرف عنهم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر عنهم التعبير بلفظ المجاز الذي هو قسيم الحقيقة عند أهل الأصول، وإنما هذا اصطلاح حدث بعد القرون المفضلة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" (7/ 88، 89)، (12/ 277): (فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم، .. بل ولا تكلم به أئمة اللغة، .. ولا من سلف الأمة، وعلمائها وإنما هو اصطلاح حادث، .. فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة، ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة، وظهرت أوائله في المائة الثالثة، وما علمته موجودا في المائة الثانية) [2].
وقد اختلف العلماء في المجاز بين مجيز، ومانع، ومفصل فالجمهور على الجواز والوقوع مطلقا، وذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفرائيني من الشافعية، وأبو علي الفارسي من أهل اللغة وتقي الدين وتلميذه ابن القيم والشنقيطي إلى المنع مطلقا وهذا هو الأقوى عندي، وذهب بعض العلماء منهم داود بن علي، ومن الشافعية ابن القاص، ومن المالكية ابن خويز منداد، ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي، وأبو عبد الله بن حامد وأبو الحسن الخرزي، وغيرهم إلى المنع في القرآن وحده دون اللغة، وانفرد داود الظاهري بالقول بالمنع في القرآن والسنة دون غيرهما، وذهب ابن حزم إلى التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه وما لا فلا. [1] وقد بحث الشيخ: عمر السبيل هذه المسألة ورجح تحريم مس المصحف للمحدث حدثا أصغر. [2] وانظر أيضا: مختصر الصواعق المرسلة (2/ 5).
اسم الکتاب : المعتصر من شرح مختصر الأصول من علم الأصول المؤلف : المنياوي، أبو المنذر الجزء : 1 صفحة : 58