اسم الکتاب : المصلحة المرسلة محاولة لبسطها ونظرة فيها المؤلف : علي جريشة الجزء : 1 صفحة : 39
7- أما الإفراط فيحمل لواءه نجم الدين الطوفي –الذي قيل إنه حنبلي لكن التحقيق أنه يميل إلى التشيع[1]- وقد عرض لرأيه في معرض شرحه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"2، وقال إنه يرى الأدلة الشرعية تسعة عشر دليلا جعل في مقدمتها النص والإجماع واعتبرها أقواها، ولكنه عاد فقال إن المصلحة تتقدم النص والإجماع إذا تعارضت معه3.
ولم يشأ نجم الدين الطوفي خلال عرضه الطويل أن يقدم مثلا واحدا لتعارض النص مع مصلحة حقيقية!
وبغض النظر عما ثار حول عقيدته، فإن رأيه يناقض بعضه بعضا، ويتهاتر أوله مع آخره حتى يسقط عن مستوى الاستدلال.. فإنه بعد أن صرح بتقدم النص والإجماع عاد فصرح بتقدم المصلحة على النص والإجماع، وهو وإن أجعل التعارض شرطا.. فإنه لم يستطع أن يقدم مثلا واحدا للتعارض!
فضلا عن أنه إذا تعارضت المصلحة مع النص.. فإنه يسقط الاستدلال بها إذ تغدو مصلحة ملغاة.. لا مرسلة ولا معتبرة!
8- وقد نسب إلى الإمام مالك أنه قال إن المصلحة تخصص عام القرآن وتقيد مطلقه[4]، وليس في أصول الإمام مالك ولا فقهه ما يؤيد ذلك.
كذلك نقل عن الإمام مالك أنه قال بتعذيب المتهم لإجباره على الإقرار –استنادا للمصلحة المرسلة- وقد ثبت بالتحقيق أنه ليس رأيا للإمام مالك، وأن هناك رأيا لسحنون في هذا الموضوع لكنه حرف ونقل على هذا النحو، ثم حرف ونسب إلى الإمام مالك[5].
هذا بعض عن جانب الإفراط.
9- أما جانب التفريط: فقد ذهب [1] انفرد نجم الدين الطوفي دون سائر الحنابلة بهذا الرأي، وقد نقل ابن رجب في طبقاته (ج 2 ص 366، 367) وابن عماد في شذرات الذهب (ج 6 ص 239) أن نجم الدين الطوفي انحرف إلى التشيع ثم الرفض، وقد حاول الدكتور مصطفى زيد في رسالته الدفاع عنه، وعلق على ذلك الإمام محمد أبو زهرة.. فإن النصوص التي نقلها مستشهدا بها لنفي التشيع تطوي في ثناياها دليل إثباته، وكل نص ساقه دليل للنفي هو في مغزاه ومرماه وباعثه دليل الإثبات (المصلحة ونجم الدين الطوفي ص 9) وينقل الدكتور معروف الدواليبي أن الشيعة نفسهم يتبرأون من نجم الدين الطوفي فقد قال عنه الشيخ عبد الحسين شرف الدين شيخ علماء جبل عامل وإمامهم: ((وسليمان الطوفي من الغلاة الذين مازالت خصومنا تحملنا أوزارهم)) (علم أصول الفقه للدواليبي 215، 216) ولا يفوتنا بعد ذلك الإشارة إلى ما ذكره بعض المؤرخين من أنه تاب عن الرفض والتشيع (البوطي ص 143، ومع ذلك فإنه يتحمل أمام الله والتاريخ مسؤولية تلك الفتنة التي أثارها والتي مازال صداها يجلجل به أعداء الإسلام.
2،3 الدكتور مصطفى زيد، ومن رأي الطوفي بعض المحدثين الذين سنشير إليهم فيما بعد إن شاء الله. [4] محمد أبو زهرة، أصول الفقه ص 274، المرحوم عبد الوهاب خلاف في علم أصول الفقه ص 233، 234، الدواليبي ص 215. [5] البوطي ص 133، 134، 247.
اسم الکتاب : المصلحة المرسلة محاولة لبسطها ونظرة فيها المؤلف : علي جريشة الجزء : 1 صفحة : 39